تركه دراسة الطب يفتح له مجال الشهرة

مزاج الاثنين ٠٨/فبراير/٢٠١٦ ١٧:٣٦ م
تركه دراسة الطب يفتح له مجال الشهرة

مسقط -العمانية/ كانت رواية "مائة عام من العزلة" التي قرأها طالب الطب صالح علماني الذي سيصبح لاحقا أحد أهم المترجمين عن الأسبانية في العالم العربي منعطفا مهما في حياته، ترك بسببه دراسة الطب إلى غير رجعة وقرر تجربة الترجمة. لكن هذه الرواية لم تكن هي التي جعلته يمزق رواية كان قد كتبها ويقرر من لحظتها انه لن يكون غير مترجم، بل هي رواية "الكولونيل لا يجد من يكاتبه". كان ذلك مطلع سبعينات القرن الماضي.. اليوم صالح علماني تقارب شهرته في العالم العربي شهرة الذين يترجم لهم ماركيز، يوسا، إيزبيل الليندي، وجوزيه ساراماغو، وإدواردو غاليانو، وخوان رولفو وغيرهم من أدباء أمريكا اللاتينية. كان صالح علماني يتحدث الأسبوع الماضي في النادي الثقافي ويستعرض تجربته في الترجمة في حوار مفتوح حضرته مجموعة من الكتاب والمثقفين العمانيين.

وارتبط اسم صالح علماني بأدب أمريكا اللاتينية، وأدب ماركيز على نحو خاص. ويمكن أن يستعيد أي قارئ اليوم ذكريات ذلك الشاب الذي انقطعت مؤونة أهله الذين بعثوه لدراسة الطب وأخذ يعمل في أحد موانئ برشلونه ويتسكع في شوارعها هل كان يعلم أنه سيصبح المترجم رقم واحد لأدب أمريكا اللاتينية إلى العربية. وترجم علماني حتى الآن اكثر من مائة كتاب عن أدب أمريكا اللاتينية وما زال المشروع مستمرا. ورغم ان معدل الترجمة تراجع من عشر صفحات كل يوم إلى أربع إلا ان الهمة ما زالت مستمرة وعلماني ما زال يرى ان الطريق أمامه مستمرا. وفي الجلسة التي شهدها النادي الثقافي وحاور فيها الحضور صالح علماني قال الأخير إن مسألة المعاجم من الأسبانية إلى العربية والعكس لم تعد هي المشكلة اليوم لكن المشكلة تكمن في اختلاف الكلمات الإسبانية من بلد إلى آخر، فالكثير من الكلمات لها دلالة مختلفة من بلد وعلى المترجم أن يبحث وراء الدلالة من أجل أن تكون ترجمته دقيقة. ويضيف: بالنسبة للمعاجم لا تشكل عقبة الآن مع وجود جوجل "العظيم" فهو يعطيك معاني كل كلمة باختلاف البلدان بل والقرى. وقدم الكاتب والشاعر عبدالله حبيب مداخلة اتكأت على فكرة التناقض في شخصية صالح علماني ولكنه عاد واكد أنه يعني التناقض الإيجابي. فيقول مخاطبا علماني ذهبت لدراسة الطب فإذا بك تصبح مترجما، محمود درويش يطالب بتأميمك باعتبارك ثروة وطنية.

وبالتواضع نفسه وربما الخجل نفسه يقول علماني لم أسمع محمود درويش يقول هذه العبارة ولكني سمعتها من الكثيرين ينقلونها عنه رغم أن درويش كان يتحدث معي كثيرا. أما انتقالي من دراسة الطب إلى الترجمة فكان سببه الأول أنني لم أستطع الإيفاء بمصاريف دراسة الطب وفق ما كانت تريد أسرتي. لكن تلك المرحلة أفادتني في تعلم اللغة الإسبانية وعملت في أعمال بسيطة عند الطبقة المسحوقة ولذلك عرفت خصائص الحياة وتفاصيلها. وردا على سؤال حول ما إذا كان هو من يحصل على حقوق الترجمة من الروائيين اللاتينيين قال علماني: أنا لم أكن مطالبا بالحصول على تصريح فهذه مهمة الناشر وليست مهمتي، رغم أنني خاطبت البعض ووافقوا على ذلك وأنا لا أملك أن أشتري حقوق ترجمة أو نشر لأي كتاب. لكن علماني يسرد تفاصيل قصة حدثت له مع زوجة الروائي البوليفي ماريو برغاس يوسا عندما زار دمشق وكان علماني يعمل مع دار نشر توهمه أن لديها حقوق نشر مؤلفات يوسا وغيره، لكن زوجة يوسا سألت علماني عندما رأت هي وزوجها كتبه مترجمة إلى العربية وطالبته بالحقوق فأحالها إلى الناشر.

وقال علماني في سياق الحوار أنه درس في كوبا تاريخ أمريكا اللاتينية حتى يستطيع فهم السياق الذي يترجم عنه. واعتبر علماني أن ماركيز يمكن أن يوصف بالشاعر في الوقت الذي يوصف فيه يوسا بالمهندس المعماري، فهو يرى أن ماركيز يكتب الرواية وكأنه يكتب الشعر فيما يكتب يوسا الرواية وكأنه يبني هندسة معمارية ولذلك اذا أراد أحد تعلم البناء الروائي فعليه بقراءة يوسا أكثر من ماركيز. ويتذكر صالح علماني أن ترجمته الأولى كانت رواية "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" لماركيز وحققت حضورا قويا في الوسط الثقافي وكتب عنها الكثيرون واعتبروها إبحارا في مساحة مجهولة في أمريكا اللاتينية ولذلك مزق علماني بعدها نصا روائيا كان قد كتبه وقال: أن أصبح مترجما جيدا أفضل من أن أكون روائيا فاشلا.. وانطلق في عالم الترجمة. ولا يعتبر صالح علماني أن تقليد العرب لروايات أمريكا اللاتينية ستفيد الرواية العربية فاللاتينيون قرأوا الروايات الروسية والفرنسية بشكل خاص وغيرهم من كتاب العالم وهضموها حتى وصلوا إلى أسلوبهم الحالي وتقنياتهم ولذلك على العرب أن يسيروا في نفس السياق. ونستطيع معرفة أننا نجحنا عندما يبحث عنا العالم ليترجم أعمالنا لا حينما نسوق أنفسنا له. مضيفا أن أعمال نجيب محفوظ ترجمت جميعها إلى الإسبانية بعد فوزه بجائزة نوبل. وحول ما إذا كان الأدب العربي مترجما إلى الإسبانية يقول علماني ليس بشكل جيد ولكن ما يترجم منه إلى اللغة الانجليزية أو الفرنسية ينقل إلى الإسبانية. وقد ترجمت أعمال توفيق الحكيم إضافة إلى أعمال محفوظ، لكن أيضا تتم ترجمة بعض الكتب التي تلقى رواجا كبيرا.. مثلا رواية "بنات الرياض" ترجمت إلى الإسبانية والروايات التي على طريقها.