استثماراتنا تسقي البعيد وتنسى القريب!

مقالات رأي و تحليلات الجمعة ١٢/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:٠٠ ص
استثماراتنا تسقي البعيد وتنسى  القريب!

في الوقت الذي نحن بجاجة ماسة لجذب الاستثمار الأجنبي وتقديم مختلف التسهيلات الممكنة لتحقيق انتعاش استثماري، وفي الوقت الذي نراجع كل الأطر والتشريعات الهادفة إلى جذب المزيد من الاستثمار منها قانون الاستثمار الأجنبي، نتساءل عن مدى الجدوى من الاحتفاظ باستثماراتنا في الخارج وعدم تسييلها وضخّها في مشاريع اقتصادية في البلاد لتحقيق العديد من الأهداف نحن بأمسّ الحاجة إليها في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، مع ضعف الجدوى الاقتصادية منها أو عوائدها، مقارنة بجدواها في الداخل أكثر، والقيمة المضافة العالية للمشاريع الاقتصادية الكبيرة في الفترة القادمة، لتسريع وتيرة التنويع الاقتصادي، وتقليل تأثيرات تخفيض الإنفاق الحكومي الناتج عن انخفاض أسعار النفط وانعكاساته، فضلا عن أن مشروعات في القطاعات الإنتاجية والخدمية ذات أثر كبير في إثراء الأسواق، الأمر الذي يتطلب العمل على بيع بعض الاستثمارات الخارجية التي تدار من صندوق الاحتياطي للدولة وغيره وضخّها في المشروعات السياحية والصناعية في البلاد، بدلا من انتظار الآخرين إلى ما لا نهاية للاستثمار في بلادنا ونبقى متفرّجين متى يتصدق علينا الغير.
فبلاشك إن تنويع مصادر الدخل هدف وغاية يجب أن نعمل من أجلها في المرحلة القادمة بجدية عالية، ونتخذ قرارات جريئة جدا، وبعزيمة كبيرة تصاحبها خطوات عملية نوعية تخرجنا من طائلة الاقتصاد الريعي المعتمد على مصدر واحد للدخل، وتدلف بنا إلى تنويع حقيقي ذي قيمة مضافة عالية اقتصاديا واجتماعيا، وهذا يتطلب استثمارات كبيرة خاصة في الصناعات التحويلية كما هي في منطقة الدقم الاقتصادية والمنطقة اللوجستية بمحافظة جنوب الباطنة والمنطقة الحرة بصحار وصلالة ومشاريع سياحية في كل المحافظات لتوفير خدمات إيوائية ومرافق تلبية لمطالب السكان.
فعلى الرغم من الجهود المبذولة من جانب العديد من الجهات في جذب الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية المختلفة كهيئة ترويج الاستثمار وتنمية الصادرات، والهيئة الاقتصادية الخاصة بالدقم ووزارة التجارة والصناعة والصناديق الوطنية وغرفة تجارة وصناعة عمان والصندوق الاحتياطي للدولة وغيرها من الجهات في الحكومة، إلا أن ذلك يحتاج بالطبع إلى وقت طويل، فلا يمكن أن يأتي بين ليلة وضحاها مما يفرض علينا التصرف بسرعة تتوافق مع متطلباتنا العاجلة، والتحول إلى بيع جزء من استثماراتنا الخارجية وتسييلها بهدف تسريع خطوات الاستثمار في البلاد، فهل نبقيها في الخارج أم نضخّها في شرايين اقتصادنا المتعطش لها أكثر من غيره؟
فالقيمة المضافة للاستثمارات الداخلية كبيرة وتتجاوز الأرباح المادية إلى العديد من المكاسب منها توظيف الكفاءات العمانية واستيعاب الخريجين من مؤسسات التعليم العالي وإثراء الأسواق المحلية وتنشيط القطاعات الاقتصادية، في حين أن استثمار أموالنا في الخارج يثري اقتصاديات الدول الأخرى وعوائدها بسيطة وغير معروفة ومعرّضة للاهتزازات الاقتصادية.
أما الجانب الآخر الذي يبعث على الحزن والأسى فهو بطء المشروعات الاقتصادية في البلد بسبب انتظار الاستثمارات الخارجية كأنها سوف تمطر لنا ذهبا وتحل لنا كافة الإشكاليات على طبق من ذهب أيضا دون تبعات إجرائية أو مماطلة أو شروط المذلة في بعض الأحيان، في حين أن جهاتنا الاستثمارية تشتري فنادق في باريس وشركات بتروكيماوية متعثرة في اسبانيا وبنسبة تملّك مائة بالمائة وغيرها، غير آبهة بما تعانيه مشروعاتنا في الداخل من عجز في التمويل وانعكاسات ذلك على كل الجوانب في البلاد، فهل هناك تنسيق بين الجهات الحكومية حول هذا الجانب؟ أو أن كل طرف ما زال يغرد خارج السرب؟!

فاليوم المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم شبه متوقفة تنتظر إسعافات أولية وضخّ أموال كبيرة تتمثل في استثمارات بمئات الملايين من الريالات لكي تتزحزح من وضعها الراكد وتنطلق إلى ما نتطلع إليه، والمشاريع السياحية كالواجهة البحرية بمطرح ومدينة العرفان وغيرها من المشروعات كلها تحتاج إلى ضخّ أموال كبيرة لكي تجري الدماء في شرايينها.
هذه الأموال مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة ليس من السهولة توفيرها من جانب الحكومة في ظل الالتزامات بالإنفاق الجاري، وإحجام المستثمرين الأجانب بسبب ضبابية الرؤية في الأسواق العالمية وهو ما يعني أن هذه المشروعات سوف تتأثر بهذه الأوضاع، في حين أن أموالنا يستفيد منها الغير، فهل هذه سياسة إيجابية أو أنه سوء تدبير في إدارة الاستثمارات في البلاد، أو مثل ما يقال وينطبق علينا القول "عين عذاري تسقي البعيد وتنسى القريب".
اليوم نحن بحاجة إلى إعادة رسم الاستثمارات الداخلية والخارجية بشكل يسهم في إنعاش الاقتصاد في البلاد من خلال بيع بعض الأصول الداخلية المتمثلة في الشركات الحكومية، وإعادة ضخّ قيمة تلك الأصول في شركات جديدة تستثمر بشراكة مع القطاع الخاص العماني والأجنبي، وبيع الاستثمارات الخارجية أو جزء منها وتحريك الاستثمارات الكبيرة التي ننتظر منها الكثير لتنويع مصادر الدخل وتوفير وظائف لأبنائنا وإثراء الأسواق المحلية ، فهل نحن ندرك أبعاد المرحلة الحالية ومتطلباتها؟.
إن ضخ استثمارات في الداخل له مكاسب أخرى أهمها تعزيز الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب، لكي ندفعهم إلى القدوم والاستثمار في القطاعات الاقتصادية، لكن في ظل تفضيلنا للاستثمار في الخارج على حساب الداخل، كيف نطلب أن يأتي إلينا الآخرون، ألا يعد ذلك تناقضا غريبا؟ بالطبع نحن مع تنويع سلة الاستثمارات الداخلية والخارجية وجلب عملات صعبة وغيرها من مكاسب الاستثمارات ومخاطرها، لكن الوضع الداخلي الآن أحوج بكثير من إثراء اقتصاديات الآخرين.
نأمل من الجهات الحكومية المختصة أن تعيد النظر في استثماراتها في الخارج وأن تسارع بتسييلها وضخّها في الداخل حتى بأقل الفوائد، فالقيمة المضافة لها أعلى من أي عوائد خارجية، فهي أمان في الداخل اقتصاديا واجتماعيا وحتى أمنيا، وعلينا الالتفات لهذه المعطيات قبل أن تفلت الأمور ونتباكى على اللبن المسكوب!