مدير عام البرنامج الليبي للإدماج والتنمية لـ «الشبيبة»: إدماج المقاتلين.. معركة ليبيا لتحقيق الاستقرار

الحدث الأحد ٢٠/مارس/٢٠١٦ ١٨:١٢ م
مدير عام البرنامج الليبي للإدماج والتنمية لـ «الشبيبة»: إدماج المقاتلين.. معركة ليبيا لتحقيق الاستقرار

مسقط – محمد محمود البشتاوي

«فوضى السلاح».. خطرٌ لازم الأزمة الليبية منذ أن اندلعت في العام 2011، وحتى اليوم، إذ ما تزال ليبيا تشكو وتئنُّ من استعصاء الحالة الأمنية، التي تزدادُ تعقيداً في ضوء غياب جيش وطني موحد، وانقسام سياسي، وارتفاع حدة التدخلات الأجنبية، يضافُ إلى ذلك، تمدد تنظيم داعش في التراب الليبي، الأمر الذي وضعَ الليبيين أمام مفترق طرق؛ إما حل الأزمة الأمنية عبر نزع السلاح وإدماج المسلحين الليبيين في الحياةِ العامة، وضمن مؤسسات وطنية، وبإشراف أممي، أو الذهاب نحو نموذج من اللا استقرار، كما هو الحال في سوريا، والعراق، وأفغانستان.

ولأجلِ هذا، كان البرنامج الليبي للإدماج والتنمية، يعمل منذ بداية الأزمة، على إعادة تأهيل المحاربين في المجموعات العسكرية في ليبيا بهدف إعادتهم إلى الحياة المدنية، وهي المعركة الأهم في ليبيا كي تستعيد أمنها وتتمتع بحالةٍ من الاستقرار على مختلف الأصعدة.
يقول مصطفى الساقزلي، المدير العام للبرنامج، في حوارٍ مع «الشبيبة» إن «الطريقة الأمثل لجمع السلاح وتفكيك المجموعات المسلحة، هو منح المقاتلين بديلاً عملياً عن السلاح، كمنحهم فرصة دراسية، أو فرص عمل، وتدريب مهني مما يدفعهم إلى إلقاء السلاح وترك مجموعاتهم للعودة إلى الحياة المنتجة في المجتمع».
ويدعو الساقزلي إلى ضرورة إعطاء الأولوية للحوار و »المضي بالمسار الأمني بالتوازي مع الحوار السياسي، وهناك حاجة إلى العمل ضمن استراتيجية شاملة، بما في ذلك إعادة بناء المؤسسات الأمنية في ليبيا».

ما هو البرنامج الليبي للإدماج والتنمية؟

تم تكليف البرنامج الليبي للإدماج والتنمية (هيئة شؤون المحاربين سابقا) من قبل المجلس الوطني الانتقالي في العام 2011 بتسجيل وإعادة تأهيل وإدماج المحاربين الذين قاتلوا في الصفوف الأمامية، ودافعوا عن مدنهم وقراهم، بما فيهم القوى الأمنية الذين تولت حماية الحدود.

وقام البرنامج الليبي للإدماج والتنمية، من خلال العمل الوثيق مع الوزارات والبلديات، بحملة في مختلف أنحاء الوطن لتشجيع المرشحين المحتملين على التسجيل في البرنامج، على أن يكونوا من الراغبين في ترك السلاح، ليستفيدوا من برامجه ومشاريعه كأفراد لا كمجموعات. وعليه، تقدم الآلاف من المنخرطين في المجموعات العسكرية للتسجيل في البرنامج، من خلال قادة المجموعات الذين حضروا قوائم بأسماء المنتسبين إلى مجموعاتهم، غير أن الأعداد كانت كبيرة لدرجة يستحيل التعامل معها.

ما الذي حققه البرنامج في ضوء انتشار السلاح والمسلحين والجماعات المسلحة في ليبيا؟

في البداية تم تسجيل 213702 مشترك. وبعد دراسة الطلبات ومقارنة الأسماء في القوائم بالأسماء التي تمت مقابلتها، تمت التوصل إلى تسجيل 162702 شخص لتلقي الدعم اللازم لإعادة إدماجهم في المجتمع. وبالتالي تم بناء قاعدة بيانات تغطي المدن والمناطق الليبية كافة، وتمثل مختلف القبائل والتوجهات السياسية.

ثم قام البرنامج بإجراء مقابلة شخصية مع كل شخص من المشاركين، ليتمكن من فهم ملفاتهم الشخصية وخلفياتهم الاجتماعية تمهيداً لإشراكهم في البرامج والمشاريع المناسبة لكل منهم.
وكجزء من هذه العملية، خضع 66000 مشارك لدورات توعية وتوجيه تغطي كامل المبادئ الأساسية اللازمة للانتقال إلى بناء الدولة، كالتسامح الديني والثقافي وتقبل الاختلاف السياسي.
الخلاصة - وكما هو مفصل في التقرير المرحلي 2011-2015 - حقق البرنامج نتائج مهمة في المقاربة التي تعرف «بالإدماج، وتفكيك المجموعات المسلحة، وجمع السلاح» في 3 سنوات فقط، وبميزانية محدودة تقدر بـ 69 مليون دينار ليبي (ما يزيد على 50 مليون دولار أمريكي).
إذ يعتبر البرنامج أن الطريقة الأمثل لجمع السلاح وتفكيك المجموعات المسلحة، هو منح المقاتلين بديلاً عملياً عن السلاح، كمنحهم فرصة دراسية، أو فرص عمل، وتدريب مهني مما يدفعهم إلى إلقاء السلاح وترك مجموعاتهم للعودة إلى الحياة المنتجة في المجتمع.
وانطلاقاً من هذه الرؤية، قام البرنامج ببناء قاعدة بيانات لأكثر من 162000 مقاتل سابق، وطور برامج تدريب متخصصة، وافتتح 31 مكتبا فرعيا في المناطق، مع 4 مراكز للصحة النفسية، واستطاع بناء شراكات مع الخبراء الدوليين والمؤسسات المحلية من أجل تدريب المشاركين لنقلهم من ساحات القتال إلى ساحات الحياة المدنية.
وحرص البرنامج على العمل مع شركاء محليين ودوليين من بينهم مصرف ليبيا المركزي وشركة تطوير للأبحاث، والوكالة الأمريكية للتنمية ومنظمة الصحة العالمية، واليونسكو وكلية دبي للإدارة الحكومية، والمجلس الثقافي البريطاني والبنك الإسلامي للتنمية (IDB) وغيرها الكثير.

ما هي التحديات التي تواجه البرنامج اليوم في ظل ما تشهدهُ ليبيا من أزمة معقدة؟

يعمل البرنامج في ظل تحديات سياسية وأمنية كبيرة. حيث أدى تدهور الوضع الأمني في ليبيا إلى إيقاف مؤقت لبعض برامج ومشاريع البرنامج، فضلاً عن إغلاق بعض الفروع. ولهذا السبب قام البرنامج بإيقاف وتجميد ميزانيته وذلك لحماية الاستثمارات الحكومية.

البرنامج الليبي للإدماج والتنمية لديه المعرفة والخبرة والوسائل العملية التي تؤهله ليكون جزءا أساسياً من بناء ليبيا المستقبل. ومع ذلك، فإن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا مع جهود متعددة الأبعاد، ولا يمكن أن يحدث في ظل الفراغ الموجود في البلاد.
من أجل الوصول إلى حلول شاملة، يجب أن تعمل الخبرات الدولية بالشراكة مع الوزارات الليبية القادرة على العمل والتأثير في القطاعين الاقتصادي والأمني في البلاد.
ولا بد من بناء القدرات البشرية من خلال وضع إعادة الإدماج في صلب الاهتمامات الوطنية في ليبيا. والبرنامج لديه المعرفة والالتزام والقدرة على إنجاز مهمته في إعادة التأهيل والإدماج، ولكن يجب أن يتم دعمه بالاستثمار المناسب، ويجب أن يتم التنفيذ بالتعاون مع الوزارات المعنية.

كيف يؤثر الوضع الراهن في ليبيا على عملكم في البرنامج؟

تدهور الوضع الأمني في ليبيا خلال العامين الفائتين، وبمختلف أشكاله، أدى إلى إيقاف مؤقت لغالبية برامجنا حيث أنه لا يمكن تنفيذ هذه البرامج بالشكل الذي نطمح إليه في ظل هذه الظروف.

وهذا يعني أن بعض فروع البرنامج لا تعمل بشكل كامل، مثل فرع بنغازي الذي كان المقر الرئيسي للبرنامج حتى أكتوبر 2014. ولهذا السبب قام البرنامج بتجميد ميزانيته لحماية أموال الدولة ولعدم التصرف بها من دون تحقيق النتيجة المطلوبة.
حالياَ يعمل البرنامج على توقيع عدد من مذكرات التفاهم مع المنظمات الدولية الشريكة، بما في ذلك المجلس الثقافي البريطاني وفريق الإدارة الدولي (IMG)، على أمل أن يكون البرنامج قادراً على تفعيل برامجه ومشاريع بمجرد أن تباشر حكومة الوفاق الوطني عملها.

إلى أي مدى تعتقدون أن إعادة تأهيل الجيش الليبي يمكن أن يحل المشاكل في ليبيا، وخاصة الإرهاب؟

الوضع على الأرض تغير بشكل كبير منذ أن قام البرنامج الليبي للإدماج والتنمية بمقابلة المشاركين (قبل سنوات عدة وفي ظروف مختلفة جداً). إن ما نراه اليوم في ليبيا هو عملية معقدة للغاية تتداخل فيها العوامل القبلية والأيديولوجية، والإقليمية. فهناك المقاتلون السابقون، ولكن هناك أيضاً المجموعات العسكرية المسيّسة (وتقدر بأكثر من 140 مجموعة) فضلاً عن المتطرفين.

إن معالجة الفراغ في السلطة في ليبيا هو المفتاح لمعالجة مشكلة داعش. ونحن، والمجتمع الدولي، بحاجة إلى معالجة المسألتين بشكل متوازٍ.
اليوم بتنا نرى نماذج لما يعرف بالـ «دول الفاشلة» على الصعيد الأمني والتي باتت تفتقد الأمل بالاستقرار، وتلك النماذج تشكّل أرضاً خصبة للتطرف - ونحن لا يمكن أن نسمح بأن يحدث الشيء نفسه في ليبيا، وبالتالي فإن الوصول إلى حكومة موحدة بات أمراً لا بديل منه.
لذلك، يجب إعطاء الأولوية للحوار، والمضي بالمسار الأمني بالتوازي مع الحوار السياسي، وهناك حاجة إلى العمل ضمن استراتيجية شاملة، بما في ذلك إعادة بناء المؤسسات الأمنية في ليبيا.

ما هو الدور الذي تتوقع أن تلعبه الدول المجاورة في تحقيق الاستقرار في ليبيا؟

شأنها شأن المجتمع الدولي، في إمكان الدول المجاورة أن تؤدي دوراً داعماً ومساعداً في توحيد الليبيين، ويمكنها دعمنا من خلال السيطرة على الحدود مما يساعدنا على تحقيق الاستقرار والأمن.

ولكن الخطوة الأولى نحو تحقيق الأمن وبناء الدولة في المستقبل داخل ليبيا هي أن نتوحد معاً، وأن نساعد أنفسنا قبل أن نطلب المساعدة من حلفائنا ومن الدول المجاورة.

يحدد المدير العام للبرنامج الليبي للإدماج والتنمية مصطفى الساقزلي مراحل حل أزمة السلاح والمسلحين والمجموعات المسلحة في ليبيا عبر رؤية وضعها البرنامج دعا خلالها لإطلاق حوار شامل مع المجموعات المسلحة بالتوازي وبالتنسيق مع الحوار السياسي وصولا للتسريح والادماج وبناء السلام وبسط الأمن في كافة ربوع ليبيا.

لماذا الحوار مع المجموعات المسلحة؟

• لأنها تملك القوة على الأرض وتستطيع إفشال او إنجاح أي حوار سياسي.

• لأن التجارب البشرية أثبتت بأن نزع السلاح بالقوة مآله الفشل.
• لأنهم مواطنون ليبيون ضحوا ومستعدون للتضحية بأرواحهم في سبيل مبادئ يؤمنون بها أو مخاوف تقلقهم أو مصالح يدافعون عنها، وقبل هذا وذاك لأنهم أبناؤنا وإخواننا يجب علينا أن نسمع لهم ونستوعبهم ليكونوا شركاء وبناة وحماة للوطن.

أهداف الحوار

• إحصاء وفرز وتصنيف المجموعات المسلحة وأعدادها وقواها.

• تحديد مخاوف وطموحات كل الأطراف.
• وضع مبادي حاكمة يتوافق ويلتزم بها الجميع.
• وقف إطلاق النار وفك الاشتباك في مناطق المواجهات.
• التوافق على الرؤية والمعايير لبناء المؤسسة الأمنية والعسكرية لتنال ثقة الجميع.
• التوافق على خطط لتفكيك وتسريح المجموعات المسلحة وإعادة إدماجها وتنظيم السلاح.

مراحل الحوار

أولا: عمليات المسح

• المسح الميداني والإحصائي لتحديد وتصنيف كافة المجموعات المسلحة ومن خلال الآتي:

• المجموعات المرتبطة بالمؤتمر والبرلمان وقيادتهما العسكرية والأمنية.
• المسح من خلال البلديات والمجتمعات المحلية (مناطقي واجتماعي).
• فرز المجموعات الرافضة للحوار (تطرف ديني/‏تطرف سياسي/‏إجرامية).

ثانيا: إطلاق الحوار الشامل:

• لا يقصي إلا الرافضين للحوار أو من اختاروا أن يقصوا أنفسهم.

• يرعى الحوار فريق ليبي بالتنسيق مع المجتمع الدولي لتقديم الدعم والمساندة والخبرة الفنية في مواضيع بناء المؤسسات والإدماج.
• يتم الحوار بالتوازي وبالتنسيق مع الحوار والمسار السياسي.
• المساندة الإعلامية والمجتمعية للحوار بين المسلحين.

مخرجات الحوار

1. وثيقة مبادئ حاكمة يتوافق عليها الجميع مرفق بها ملاحق تشمل خطط تفصيلية يضعها خبراء للاتي:

• خطة لإعادة بناء المؤسسة العسكرية.

• خطة لإعادة بناء وإصلاح المؤسسة الأمنية.
• خطة لإعادة إدماج المسلحين وصولا إلى تسريحهم وتنظيم السلاح.
• خطة لمكافحة الإرهاب (فكريا، نفسيا، اجتماعيا، اقتصاديا، أمنيا). أو ما اصطلح عليه حديثا في الجمع بين» تفكيك التطرف العنيف والانفصال/‏الانعزال عنه»

2. قائمة بفرق عمل يتوافق عليها كافة المتحاورين لتنفيذ الخطط المذكورة.

3. توقيع كافة المجموعات المسلحة على الخطط لتكون البرنامج الأمني الملزم للحكومة.

الخلاصة

للوصول إلى تفكيك المجموعات المسلحة وإعادة إدماجها وبناء المؤسسات الأمنية والعسكرية على أسس صحيحة وصولا لفض النزاعات وبسط الأمن والسلام لابد من إطلاق حوار شامل مع كافة المجموعات المسلحة دون استثناء ينتج عنه اتفاقية ملحق بها رؤى وخطط يتوافق عليها المسلحون ويتعهدون هم والحكومة الليبية بتنفيذها.

الساقزلي: حل الأزمة في ليبيا يبدأ بالحوار مع المسلحين