اليمن .. وفوبيا فشل التسوية !!

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/أبريل/٢٠١٦ ٢٢:٤٧ م
اليمن .. وفوبيا فشل التسوية !!

علي ناجي الرعوي

لماذا لم يتعلم اليمنيون من تجاربهم المريرة وحروبهم المتوالية ودروس التاريخ القديم والمعاصر ؟ سؤال اعاده الى ذهني لقاء جمعني ببعض الاعلاميين الخليجيين قبل اسبوع في دولة الكويت الشقيقة والذين كان الثابت في نقاشاتهم ان ما يحدث اليوم في اليمن من حروب وصراعات وقتل وخراب وتدمير يعود سببه بدرجة اساسية الى البيئة الثقافية والقبلية للمجتمع اليمني الذي يرتبط بحاضر مشدود بقوة الى ماضيه وهي ظاهرة وان كانت تعكس في بعض تجلياتها عن اعتزاز هذا المجتمع بماضيه التليد الممتد منذ حادثة (السيل العرم) التي تكونت على اثرها العرب العاربة والعرب المستعربة فإنها التي تكشف عن ذلك الاعتلال الذي ابقى على المجتمع اليمني مكبلا بصور الماضي دون الالتفات بان ذلك الماضي اضحى مجرد مفردات في كتب التاريخ وان أي رهان يجب ان يكون متسقا بالمستقبل وليس غيره وبالفعل كما اشار احد اطراف هذا النقاش فان اليمن وبسبب انغماسه الكلي في معطيات ذلك الماضي قد اضاع عقودا من الزمن في لعبة الصراع والتناحر على السلطة والنفوذ والتي عادة ما كانت تنتهي بحروب اهلية تغذيها العصبية القبلية او المناطقية بما يؤدي الى انقسام المجتمع وانفراط وحدته الداخلية وإفساد اية محاولة تسعى الى تأطير اليمنيين تحت مظلة جامعة ودافعة باتجاه الاستقرار السياسي الذي يبنى عليه الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وفرص الامن والسلم الاهلي.
مما لاشك فيه ان هذه النقاشات التي جرت على مقربة من الصالة التي تخوض فيها الاطراف اليمنية المتنازعة مفاوضات السلام التي تستضيفها دولة الكويت الشقيقة تذكرنا بحجم الترابط العضوي بين دول الخليج العربية واليمن وكذا دواعي الاهتمام الخليجي بما يجري بهذا البلد الذي يشكل بموقعه الاستراتيجي في جنوب الجزيرة العربية وتحكمه بباب المندب وهو المدخل الرئيسي والوحيد من الجنوب والبوابة التي تربط بين الجزيرة العربية وجنوب اسيا ووسط افريقيا وجنوبها ركيزة من ركائز الامن الخليجي وهي عوامل ايضا كانت كافية لجعل ذلك الجمع من الاعلاميين الخليجيين مندفعا للحديث عن الجولة الجديدة من المفاوضات اليمنية وفرص نجاحها من عدمه ومن الطبيعي ان تختلف المقاربات وان نجد من يقرأ واقع المجريات والتصريحات التي رافقت هذه المفاوضات من كونها التي تشي بانفراج تفرزه اتفاقات لن تكون سهلة وقد يتطلب ابرامها وقتا فيما يتمهل اخرون قبل المبالغة بالتفاؤل لإدراكه من ان طرفي النزاع قد جاء الى الكويت وكل منهما ممسك بعداده الخاص وانه الذي سيقلب ارقامه وفقا لما يخدم غاياته وأهدافه ناهيك عن ان هذه المفاوضات هي من تفتقد لجدول اعمال محدد وتنعقد بعد لقاءين سابقين احتضنتهما سويسرا ولم يتم احراز التقدم المأمول منهما بل ان تلك الجولتين من المباحثات اللتين رتبت لهما الامم المتحدة قد فشلتا في ايجاد اية ارضية للتفاهم بين الاطراف المتحاربة وهو ما قد يجعل من الحديث عن احلام السلام في ظل واقع كهذا ليس اكثر من امنيات محكومة بفوبيا الفشل على حد وصف هؤلاء.
يقر الجميع ان فشل مفاوضات الكويت سيكون كارثيا وكلفته باهظة على اليمنيين اذ ان ذلك يعني تكرار التجربة الصومالية في اليمن وهو مآل طالما حذرت منه اطراف اقليمية ودولية على اعتبار ان الاقليم والعالم لن يتحملا تداعيات دولتين فاشلتين متقابلتين وبالتالي فان الكثيرون يميلون الى الاعتقاد الى ان حوار الكويت لن يسمح بفشله بأي حال من الاحوال مهما طالت مدته او برزت امامه من العوائق لان قرار ايقاف الحرب قد اتخذ اصلا من قبل القوى الكبرى وانه لا يمكن القفز على تلك الرغبة الدولية سيما بعد ان وصلت الرسالة الى من يعنيهم الامر في الداخل اليمني والخارج الاقليمي وهي الرسالة التي حملت في طياتها تحذيرا شديدا من خروج الصراع عن السيطرة في اعقاب دخول تنظيم القاعدة الارهابي وعدد من التنظيمات الجهادية المتطرفة على خط هذا الصراع وهو ما قد يؤدي الى استكمال الجزء المتمم للفوضى في المنطقة بأكملها.
يتوقع البعض ان تنفرج الاوضاع في اليمن قريبا وان تشهد الازمة المتفاقمة حلا سياسيا مقبولا من كل الاطراف خاصة في ظل تصاعد المؤشرات التي تؤكد على ان الاقليم والمجتمع الدولي اقتنعا اخيرا بان استمرار الحرب في اليمن لم يعد في مصلحة احد وانه لابد من تحفيز الاطراف المتصارعة في هذا البلد والضغط عليها حتى تقبل بالمحددات التي رسمها الاعلان الرئاسي الاخير الصادر عن مجلس الامن الدولي والتي يفهم من مضمونها انه لا يمكن لمسار التسوية ان ينجح في اليمن في ظل التمسك بتطبيق القرار الاممي 2216 وتجاهل واقع توازن القوى على الارض دون هزيمة نهائية لطرف ناهيك عن ان الصراع بات ينطوي على تهديدات لدول المنطقة بفعل تنامي نفوذ تنظيمي القاعدة والدولة الاسلامية في جنوب اليمن.
من الواضح ان القوى الكبرى اصبحت تتعاطى مع الصراع في اليمن وفقا لحسابات سياسية وأمنية وانطلاقا من تلك الحسابات فقد ادركت ان حسم هذا الصراع عسكريا في فترة زمنية وجيزة بات غير ممكن كما ان السعي الى هزيمة الحوثيين في صنعاء قد فات وقته ولعل ذلك هو ما جعل المسئولين في الكويت يأكدون بثقة على ان المفاوضات اليمنية ستنتهي باتفاق سياسي يضمن خروج اليمن من عنق الزجاجة والدخول في مرحلة جديدة من السلام والاستقرار وقد لا تقول اللغة الدبلوماسية ذلك الا حينما تكون هذه الدبلوماسية على فهم واع بان هناك توجه دولي عام بات يسحب الاحتقان من الشارع اليمني ويتوجه لصناعة التوازن الداخلي في هذا البلد بمعزل عن حجم القلق الذي ينتاب البعض من فوبيا الفشل مرة اخرى في ملف الازمة اليمنية.
الثابت ان الصراع في اليمن بات مرتبطا على نحو ما بملف الازمة السورية وهو ما افصح عنه وزير الخارجية الامريكي جون كيري الذي اجتمع بوزراء خارجية دول الخليج وأشار الى انه اتفق مع هؤلاء على العمل سويا لتسريع وتيرة الجهود لحل الازمة اليمنية فيما تلتزم واشنطن بالعمل على تحقيق الاستقرار في سورية على ان تدويل الازمة اليمنية وتحويلها الى ورقة في حسابات المصالح الدولية هو ما قد يساعد على انجاز تسوية قريبة اذا ما اخذنا بعين الاعتبار المخاوف التي تنتاب المجتمع الدولي من تنامي الجماعات الارهابية في هذا البلد وما يمثله ذلك من تهديد للأمن والاستقرار في انحاء العالم وحتى تتضح نتائج المفاوضات الجارية في الكويت حول الحل السياسي فان الملايين في اليمن سيظلون تحت ضغط فوبيا الفشل حتى يتم الاعلان عن ايقاف حرب الاخوة الاعداء والدخول في الترتيبات الجديدة التي لا يملك احد الجواب على متى وكيف ستكون ؟

كاتب يمني