كيفية تمويل الانتعاش الاقتصادي العالمي

مقالات رأي و تحليلات السبت ٣٠/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٠٢ م
كيفية تمويل الانتعاش الاقتصادي العالمي

آندرو شينج

هناك وعي متنام بأن الأسواق المالية في عالم اليوم الخاضع للعولمة أصبحت خارج سيطرة صناع السياسات المحليين. بينما تمتلك بضعة اقتصادات خططا لتشكيل أسواق عالمية مترابطة، لكنها تواجه قيودا سياسية واقتصادية. نتيجة لذلك، يظل الاقتصاد العالمي عالقا في دورة مالية مسايرة للدورات الاقتصادية، مع وجود خيارات ضئيلة للهرب.
إن الدورة المالية العالمية كما أشار كلوديو بوريو منذ سنوات أطول من الدورات الاقتصادية الحقيقية وأكبر منها، وترتبط ارتباطا وثيقا بقيمة عملة الاحتياط المهيمنة المتقلِّبة، الدولار الأمريكي. عندما يكون الدولار ضعيفا، تتدفق رؤوس الأموال من الولايات المتحدة إلى دول أخرى، حيث تدفع النمو عبر ائتمان متزايد.
ولسوء حظ هذه الدول، التي تكون عادة في العالم الناشئ، تدفع هذه التدفقات كذلك التضخم وفقاعات الأصول وارتفاع قيمة العملة. النتيجة هي الخطر المالي والجيوسياسي المتنامي، الذي يجعل الدولار الأمريكي أكثر جاذبية في أعين المستثمرين. مع تدفق رؤوس الأموال عائدة إلى الولايات المتحدة، يكتسب الدولار قوة، بينما تُترَك الاقتصادات الناشئة في مواجهة عواقب فقاعات الأصول المنفجرة وخفض قيمة العملة.
في عالم حيث سعر الفائدة صِفر، يلعب الدولار القوي في الأسواق العالمية نفس الدور الانكماشي الذي لعبه معيار الذهب في ثلاثينيات القرن الماضي. ومن ثم فالولايات المتحدة هي الاقتصاد الأكثر استعدادا لانتشال العالم من الانكماش المزمن طويل الأمد. ولكن يتطلب ذلك رغبة في حل معضلة تريفين المزعومة ــ الصراع بين المصالح الدولية طويلة الأمد والمصالح المحلية قصيرة الأمد التي تواجهها الدول المصدِرة لعملات الاحتياط ــ عبر إحداث عجز كبير متزايد في الحساب الجاري، يمكّن الولايات المتحدة من تلبية الطلب العالمي على السيولة.
يبدو هذا مستبعدا، ليس للولايات المتحدة فقط، ولكن كذلك لنظرائها من مصدِري عملات الاحتياط في بقية العالم المتطور. لقد دمر النمو الاقتصادي الكاسد وأعباء الديون المرتفعة في أوروبا واليابان رغبة الساسة في رفع الضرائب أو اقتراض المزيد من أجل إخلاء مساحة للتوسع المالي. نتيجة لذلك، فقد أصبحت السياسة النقدية في أنحاء العالم المتقدم مثقلة بالأعباء بشدة.
وسَّعت البنوك المركزية في الاقتصادات الأربعة المصدِرة لعملات الاحتياط (الولايات المتحدة، ومنطقة اليورو، والمملكة المتحدة، واليابان) منذ 2007 حتى 2014 ميزانياتها العمومية بمقدار 7.2 تريليون دولار. بينما زاد هذا من عرض النقود بمعناها الموسع بمقدار 9 تريليون دولار، زاد ائتمان القطاع الخاص بمقدار 1.8 تريليون دولار فقط، مما يكشف عن خلل خطِر في نقل السياسة النقدية غير التقليدية إلى الاقتصاد الحقيقي.
رغم أن أسعار الفائدة التي تقترب من الصفر قد خفضت تكاليف خدمة الدين، إلا أن عبء الدين الفعلي في الحقيقة قد ازداد في السنوات الماضية، بفعل التضخم المتناقص. طالما استمرت الأسر والشركات في التركيز على تخفيض الديون، ستستمر هذه الدول في مواجهة ركود الميزانية العمومية.
أما عن العالم المتقدم، فالصين هي المرشح الوحيد لإصدار سيولة. ولكن نموها الذي كان مذهلا فيما سبق أصبح في تباطؤ، دون نهاية لهذا التباطؤ في الأفق. يولِّد هذا ما يكفي من الحيرة لإبقاء صناع السياسات الصينيين منهمكين في التصدي للتحديات المحلية.
تكمن المشكلة اليوم في غياب الرغبة في فعل ما يستلزمه تعزيز الطلب، وليس في غياب الفرص. فقد يدفع الاستثمار في السلع العامة العالمية ــ مثل البنية التحتية الضرورية لتلبية احتياجات العالم المتقدم وتخفيف حدة التغير المناخي ــ الانتعاش الاقتصادي العالمي في الحقيقة. ستكون هناك حاجة إلى ما يُقدَّر بنحو 6 تريليون دولار سنويا من الاستثمارات في البنية التحتية على مدار السنوات الخمس عشرة التالية من أجل مواجهة الانحباس الحراري فقط. بل وقدَّرت مجموعة الثلاثين أنه ستكون هناك حاجة إلى 7.1 تريليون دولار إضافي من الاستثمارات السنوية من أعلى تسعة اقتصادات ــ التي تشكل 60% من الناتج العالمي ــ من أجل الحفاظ على نمو عالمي معتدل.
مع عدم رغبة الولايات المتحدة، المصدِرة لعملة الاحتياط الأبرز في العالم، في توفير السيولة اللازمة لسد فجوة الاستثمارات في البنية التحتية، أو عدم قدرتها على ذلك، لا بد من تأسيس عملة احتياط جديدة مكمّلة، لا يضطر مصدِرها إلى مواجهة معضلة تريفين. يتركنا هذا أمام خيار واحد: حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي.
إن الطريق إلى التحول إلى عملة احتياط طريق طويل بالطبع، وخاصة أمام حقوق السحب الخاصة، التي تؤدي الآن وظيفة أصل احتياطي فقط، ذي حجم إصدار صغير نسبيا (285 مليار دولار) مقارنة بالاحتياطي الرسمي العالمي الذي يبلغ 10.5 تريليون دولار (باستثناء الذهب). ولكن يمكن تحقيق التوسيع المتزايد لدور حقوق السحب الخاصة في الهيكل المالي العالمي الجديد، الذي يستهدف زيادة فعالية آلية نقل السياسة النقدية، دون خلاف هائل. يرجع هذا إلى أن الزيادة في حقوق السحب الخاصة يساوي من حيث المفهوم الزيادة في الميزانية العمومية للبنك المركزي العالمي (التيسير الكمي).
إليكَ كيف سيسير الأمر. ستوسع البنوك المركزية ميزانياتها العمومية، من أجل توليد الموارد، بالاستثمار عبر صندوق النقد الدولي في صورة حقوق السحب الخاصة الزائدة. ولأن حقوق السحب الخاصة تمثل حقوقا في التصويت، فهي تؤدي وظيفة أسهم الملكية، مما يعني أنها يمكن استثمارها في حد ذاتها في البنك الدولي وبنوك التنمية متعددة الأطراف الأخرى، مما قد يقرر أي سلع عامة عالمية تستحق الموارد. يمكن ضبط خفض توزيعات حقوق السحب الخاصة لتجنب إحداث قدر أكبر مما ينبغي من التضخم.
أندرو شنج زميل متميز لدى معهد آسيا العالمي في جامعة هونج كونج، وعضو المجلس الاستشاري لشؤون التنمية المستدامة التابع لبرنامج الأمم المتحدة البيئي