حاكم الإليزيه المقبل

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٤/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٠١ ص
حاكم الإليزيه المقبل

دومينيك مويسي

بعد اكثر من عام تقريبا، سيقوم الفرنسيون بالتصويت لانتخاب رئيسهم الجديد. بطبيعة الحال، من المبكر جدا تقديم أي توقعات. وإذا كان "أسبوع واحد في السياسة يعد فترة طويلة"، كما ذكر رئيس الوزراء البريطاني السابق هارولد ويلسون، فسنة ستكون بمثابة دهر. ونظرا للمخاطر المتوقعة للنتائج بالنسبة لفرنسا وأوروبا، يجب أخذ أول تقييم للوضعية الراهنة بعين الإعتبار.
إذا كانت استطلاعات الرأي على اعتقاد أن الرئيس المقبل لفرنسا لن يكون فرانسوا هولاند أو ساركوزي، وهما اللذان تقلدا السلطة في الآونة الأخيرة. هولاند هو الرئيس الحالي، لكن أداءه كان مخيبا للآمال في جميع المجالات تقريبا، وخصوصا في مجال محاربة البطالة. بينما تلاشت فرص ساركوزي بسبب شخصيته المزعجة.
ويمثل الرئيس الفرنسي في ظل الجمهورية الخامسة ، بالمفهوم البريطاني، الملك ورئيس الوزراء في نفس الوقت. فهو يحمل القوى الرمزية والفعلية. وإذا فشل ساركوزي رغم كل شيء في تجسيد الجمهورية بكرامة، فقد فشل هولاند في المجالين معا، تجسيد الكرامة والعمل. بصريح العبارة، يمكننا القول إن الرجل الذي كان "قويا ومزعجا جدا" خلفه رئيس ذو قدرات "غير كافية". ونتيجة لهذا التعاقب، تم التخلي عن الإصلاحات البنيوية اللازمة أو تم تنفيذها فقط بعد فوات الأوان.
وقد كان أثر ذلك على أوروبا سلبيا. ولم يكن هناك رئيس فرنسي من مستوى عال منذ انتهاء ولاية فرانسوا ميتراند في عام 1995 والذي كان بمثابة مستشار ألماني. ونتج عن هذا الاختلال ضعف فرنسا، وبالتالي قوة ألمانيا- وهي من بين المشاكل السياسية الكبرى التي تواجه الاتحاد الأوروبي.
ومن الصعب ألا ننسب الاختلاف في ثروات البلدين إلى نوع القيادة التي شهداها. في ألمانيا، نجح الإصلاحي جيرهارد شرودر وخلفته أنجيلا ميركل الشجاعة. في فرنسا، على النقيض من ذلك، كانت قيادة جاك شيراك سلبية على الصعيد العالمي وتبعه ساركوزي النشط والمخيب للآمال في المنصب الرئاسي، وبعد ذلك قيادة هولاند المترددة والباهتة.
ويعتقد غالبية الناخبين الفرنسيين أن انتخابات العام المقبل ستكون عبارة عن فرصة أخيرة لاستعادة السيطرة على مصير بلدهم وإحياء نفوذها في أوروبا، واتخاذ اتجاه جديد. الخلاف - كما هو الحال في الولايات المتحدة - يدور حول الشكل الذي يجب أن يتخذه التغيير. وظهر انقسام مثير للجدل بين الإصلاحيين والمتشددين، بين أولئك الذين يرغبون في إجراء تغييرات عميقة من داخل النظام والراغبين في تغيير النظام من الخارج – وينتمون إلى اليمين المتطرف واليسار المتطرف على حد سواء.
وتخضع هذه الأجواء السياسية لتطورين رئيسيين. من جهة، يبدو حزب هولاند الاشتراكي على حافة الانهيار السياسي، مثل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى، تتمتع الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة وزعيمتها مارين لوبان بصعود ثابت. وتعطي استطلاعات الرأي الحزب ثلث الدعم الشعبي، وهي أعلى نسبة في البلاد، مما يرجح وصول لوبان إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
ولحسن الحظ، يبدو أن هناك حدودا لمستوى الدعم الذي يمكن أن تحصل علية الجبهة الوطنية. فمهما كانت قوة لوبان الانتخابية في فرنسا أو دونالد ترامب في الولايات المتحدة، فإنهما سيفشلان بالتأكيد في سعيهما للحصول على أعلى منصب في بلدانهما. وقد تكون الشعبوية في الإرتفاع، والنخب غير شعبية. لكن ما لم يحدث شيء فظيع - مثل سلسلة من الهجمات الإرهابية المروعة - سيسود التعقل على ضفتي المحيط الأطلسي.
فكيف يبدو التعقل في فرنسا اليوم؟ بصرف النظر عن لوبان، هناك شخصيتان الأكثر شعبية في اليمين واليسار، على التوالي، هما أقدم وأصغر المرشحين المحتملين: آلان جوبيه، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في عهد شيراك، وايمانويل ماكرون وزير هولاند في الاقتصاد والصناعة و الشؤون الرقمية.
وقد كانت تصنيفات جوبيه في استطلاعات الرأي ثابتة بشكل ملحوظ، وكانت الاستطلاعات حول ماكرون عالية بشكل مدهش. فمن السهل أن نستنتج أن أغلبية كبيرة من الناخبين الفرنسيين سيرحبون بترشيح كليهما للحكم - الرجل الحكيم ذو الخبرة كرئيس وزميله الأصغر منه كرئيس وزراء. والواقع أن هذا الثنائي سيشكل فريقا هائلا عبر الأجيال وعبر الأحزاب وسوف يستطيع في النهاية تنفيذ الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها.
وللتأكد من ذلك، لن يكون تشكيل ائتلاف واسع على النمط الألماني في تلاؤم مع كيفية ممارسة السياسة في فرنسا، والتي اعتادت على الانقسام الصارم بين اليسار واليمين. وعلاوة على ذلك، رفض كلا الرجلان فكرة التحالف وتوحيد القوى. لكن في السياسة، كل شيء ممكن.
إن شباب ماكرون يشكل ضعفا، وهو يفتقر إلى الدعم من آلة الحزب. الشعبية ليست مرادف الدعم السياسي الحقيقي، خاصة إذا كان طموحك هو الفوز بمنصب القيادة.
عوائق جوبيه مختلفة جدا. فهو أكثر مهارة في ممارسة السلطة مما هو في الحصول عليها. خجله الطبيعي يجعله يبدو بعيدا، مثل هيلاري كلينتون في الولايات المتحدة. لكن لديه أيضا ميزة فريدة من نوعها. نظرا لتقدمه في السن - سوف يبلغ 72 سنة في العام المقبل - فهو ينوي الترشح لولاية واحدة فقط، وليس من الضروري أن يٌفكر في إعادة انتخابه. وبهذا تكون فرنسا قد وجدت بالفعل رئيسها المقبل.

أستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس (العلوم السياسية)،