شعب غريب!!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٦/يونيو/٢٠١٦ ٠٣:٤٥ ص
شعب غريب!!

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby

الشعب البريطاني لا يشبهنا، نحن الشعوب المحسوبة على "العروبة" وحرف الضاد، إنه شعب غريب، يتصرف بحماقة، ويقول عكس ما تريده منه حكومته..
شعب لا يتبع رأي أولي الأمر، قال نعم لخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، لم يفكر أن يهدي رفضه للملكة اليزابيث وهي تحتفل بعيد ميلادها التسعين ليكون الشعب الطيب الذي يحب ملكته فيسير كما تحب، ولم يلتفت إلى رغبة رئيس الوزراء كاميرون وقد انتخبه ليكون الحاكم الفعلي للبلاد، حيث منصب الملكة شرفي يستعيد فخامة الامبراطوية وأبهتها.
ما أغربه من شعب، أكثر من نصفه بقليل قال نعم لمغادرة البيت الأوروبي وقد أنفقت القارة العجوز عقودا من عمرها لإعماره، فكان التاج البريطاني زينته حينما تخلت أوروبا عن تيجانها. أولئك الذين قالوا نعم لا يعنيهم سوى مجد بلادهم، مخافة أن يذوب في قارة لا تستقيم مع أبهة المجد الانجليزي القديم، وتفتح ذراعيها لملايين المهاجرين، وتريد استقطاب المزيد من الأعضاء، وصولاً إلى تركيا.
نعم، غريب هذا الشعب، أقل من نصفه بقليل قال لا للخروج، لكن عليه أن يذعن للفاصل البسيط الذي يقف بينه وبين أولئك الذين قالوا نعم، فلن يشكك فريق في الانتخابات، ولن تغدو مزورة، ولن يطالب أحد بإعادة التصويت مرة أخرى لشبهات وشكوك، ولن تنزل دبابات الجيش إلى الشوارع لتحمي الجنيه الإسترليني من التراجع أكثر من 10 بالمائة، ولن تكنس الشوارع جموع المتظاهرين الذين يخونون من قالوا نعم بحجة أنهم مدسوسون ويعملون ضد الصالح الوطني!
لا يعني الانجليزي الذي صوّت من أجل مغادرة الاتحاد الأوروبي أي شيء من توابع الزلزال الذي أحدثه، له حق أن يتحدث وعلى الآخرين سماع صوته، بذات القدرة الفائقة على احترام الرأي المخالف. ليذهب مؤشر نيكاي إلى الجحيم، ليتفصد الأوروبيون عرقا وهم يرون القوة التقليدية العتيقة تخالف سير القارة العجوز، وخشيتهم من القادم أكثر مما حصل في قول نعم أو لا داخل صناديق الاستفتاء الانجليزي.
شعب قال كلمته بهدوء، لكن العالم اصطخب قلقا وخوفا، هذه الغرابة التي لم نعهدها في عالمنا العربي، لم نشاهد لافتات من نوع يسقط الخونة، لم نر أعلام دول أخرى أو ميليشيات مسلحة تفرض رغبتها على حرية المواطن البريطاني حيث لا يريد أن يكون الخيار إلا بيده. تقاربت نسبة من قال نعم ومن قال لا، لكن رئيس الوزراء، لم يخلد إلى حرير البيت رقم 10 في دواننج ستريت، إنما قال ببساطة، ببساطة يحسد عليها كثيرا، وكثيرا، إن المرحلة الجديدة التي ستدخلها بريطانيا تحتاج قيادة غير قيادته، هو ليس رجل كل المراحل، ولا بطل الأزمات، إنما الذي يمكنه بكل بساطة أن يغادر منصب رئيس وزراء بريطانيا العظمى، دون أن يصاب بالاكتئاب كما يحدث معنا.
ليت هذه الغرابة تنتقل عدواها إلى بلداننا العربية، أن نتمكن من استيرادها كما نستورد سيارات الرنج روفر.. لكن المشوار الحضاري الذي قطعه مواطنهم نحتاج قرونا أخرى لنكتسبه، وربما هذا ما يجعله غريبا في ثقافتنا، حيث طاعة ولي الأمر واجبة، والخروج عليه.. عصيان!