تساؤلات في السياسة !

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٩/يونيو/٢٠١٦ ٢١:١٩ م
تساؤلات في السياسة !

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com
msrahbyalrahby@gmail.com

في يوم واحد، فاجأنا الرئيس التركي، أو السلطان العثماني الجديد، أردوغان، بخبرين شكلا مفاجأة لقطاع كبير من الذين يراهنون على صورة الرجل الذي انسحب في مؤتمر دافوس، خلال جلسة شهيرة، وترك الضيف الإسرائيلي وحده على المنصة، في خطوة أبهرت حماة الديار ومعسكر الممانعة.
في شهر رمضان الفضيل، تشعل الظاهرة الأردوغانية شبكات التواصل وسائر وسائل الإعلام بخطوة التطبيع مع إسرائيل، ليس تطبيعا كما يشار إليه، لأن الاتصالات مع حكومة تل أبيب لم تنقطع منذ حادث إطلاق النار على السفينة التي حاولت فك الحصار عن قطاع غزة، مشاورات، عبر السنوات الفاصلة بين الحادث واتفاق تجاوزه لإعادة "الربيع" الأجمل إلى العلاقة بين الشركاء الإستراتيجيين في المنطقة، أو المثلث الرهيب الذي يحيط بعالمنا العربي، بالاشتراك مع إيران، فيما يبدو عالمنا يعيش تداعيات "ربيعه"، حيث سوريا وليبيا واليمن تشهد حروبا تحرق الأخضر واليابس، الوطن والمواطن، فيما يبحث العراق عن نفسه أمام تداعيات مرحلة ما بعد سقوط الزعيم الأوحد، وهكذا.. تعاني بقية الدول، إن كان ليس من أبواب السياسة، فهناك بركان الاقتصاد، ومقذوفاته خطر رهيب!
الخبر الأردوغاني الآخر هو الاعتذار للجنرال بوتين، بعد أشهر من المكابرة، والادعاء أن المقاتلة الروسية اخترقت السيادة التركية..
اقتنع الرئيس التركي بخطأ إسرائيل تجاه سفينته التركية، أو بصواب إسقاط بلاده للطائرة الروسية، أو لم يقتنع.. فإن الأمر الأهم هو البراجماتية الأردوغانية التي تقدم المصلحة، الشخصية أو الوطنية، لتضعها فوق كل اعتبار، حيث في السياسة لا يوجد إلا المصالح الدائمة، فيما الصداقات والعداوات فهي مؤقتة، إنما في عالمنا العربي تنقلب المعادلة، ويصبح الشخصي متحكماً في علاقة بلدين ببعضهما البعض، إن كان الزعيم لا يحب الزعيم الآخر!
تركيا التي طار بها أردوغان، وحزبه، لينقل اقتصادها الهش والمتداعي إلى نجاحات هائلة، وأصبحت لاعباً قوياً، اقتصاديا وبالتالي سياسيا، ليست هي تركيا اليوم، فالظروف من حولها تغيرت، والزلازل التي تحدث على خواصرها لم تعد مأمونة الجانب يمكن التحكم بخيوطها بذات السهولة السابقة.
أصبحت الأزمات عابرة للحدود، والقتل لن يتوقف عند عتبات الأسلاك الشائكة، وها هو يؤكد حضوره الدائم، في قلب اسطنبول، رغم كل الإجراءات والاحتياطات ونشاط الاستخبارات، إلا أن القاتل يمكنه اجتياز كل ذلك، ومن يزرع أصابع الديناميت في حقول الآخرين عليه أن يتوقع عدم وصول باقات الورد إليه.
ولن تكف البراجماتية الأردوغانية عن التقدم أكثر نحو المصالح القومية لتركيا التي يريدها، فلا يمكن تحقيق المصالح العليا بوجود هذا الكم الكبير من الأعداء، ومخاوفه من تعقيدات الاتحاد الأوروبي بعد الانسحاب البريطاني ستدفعه نحو الشرق أكثر، وحينما لا يجد فاعلين في منظومتنا العربية والإسلامية، سيجد لاعبين كباراً على الساحة الدولية، بخاصة من شركاء استراتيجيين لعب معهم أدواراً في السابق، وسيجد ضالته معهم للعب أدوار أخرى، حاضرا ومستقبلا.