الفجوة بين التدريب والباحثين عن عمل.. من المسؤول؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/يوليو/٢٠١٦ ١٦:٤٣ م
الفجوة بين التدريب والباحثين عن عمل.. من المسؤول؟

محمد محمود عثمان

الفجوة كبيرة بين زيادة أعداد الباحثين عن عمل في الوطن العربي وبين مخرجات التعليم والتدريب المهني والتقني التي اعتبرها من المسببات الرئيسية لتزايد معدلات البطالة العربية، ويشير تقرير لمنظمة العمل العربية أن معدل البطالة في العالم العربي هو الأعلى بين مناطق العالم، حيث تبلغ 14 % من مجموع الأيدي العاملة النشيطة، أي أكثر من 17 مليون عاطل، ويشمل ذلك حتى البلدان العربية المحدودة السكان والمنتجة للنفط بوفرة، لذلك هناك مسؤولية متبادلة بين دور مؤسسات القطاع الخاص والحكومات ومؤسسات التعليم والتدريب، حيث تفتقد التنسيق الفاعل الذي يمكن من خلاله فك طلاسم المعادلة الصعبة بين مخرجات التعليم ومسببات البطالة وافتقاد سوق العمل للكفاءات والمهارات اللازمة والقادرة على تحمل مسؤولية العمل والإنتاج، ولا شك أن مشكلة البطالة في العالم العربي تتفاقم عاما بعد آخر، في ظل الكم الهائل من الخريجين من الجامعات النظرية والعملية ومن الدبلوم العام والثانوية العامة والمدارس الفنية، الذين يطرقون سوق العمل سنويا، وهم يفتقرون جميعا إلى الخبرات العملية التي تمكنهم من الانخراط السريع في قطاعات الإنتاج و العمل المختلفة، ويشكلون بذلك ضغوطا على الأسر والحكومات باعتبارهم قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة وعند أو شرارة غضب أو انفعال، باعتبار أن البطالة أخطر مرض اجتماعي يواجهه المجتمع لما يترتب عليه من آثار اجتماعية سيئة تتمثل في أمراض وشرور اجتماعية ومشاكل عائلية قد تؤدي إلي تفكك المجتمعات وقد تستفحل وتؤدي إلي انقسام المجتمع وتشوه القيم الأخلاقية والاجتماعية السائدة، ومن ثم علينا أن نسأل أنفسنا إلى متى ستظل هذه القنابل الموقوتة تهدد أمن وسلامة المجتمعات العربية الهشة بطبيعتها؟ وإلى متى ستظل مشكلة ضعف كفاءة ومهارات مخرجات التعليم والتدريب المهني والتقني من المسببات الرئيسية لتفاقم معدلات البطالة العربية؟ ولا سيما أن ظاهرة البطالة في الوطن العربي قد لا تكون مرتبطة في العديد من البلدان العربية بعدم توفر فرص العمل بقدر ما تكون فرص العمل المتوفرة لا تتناسب مع مؤهلات ومهارات وقدرات طالبي العمل، وأن هذا الواقع يستوجب إعادة النظر في مردود منظومة التعليم والتدريب المهني والتقني، وتطويرها وتحديثها وفقا للتطورات العلمية والتقنية والتكنولوجية التي يشهدا العالم، ومراجعة برامجها واستراتيجيتها حتى تكون منظومة التعليم والتدريب أكثر ارتباطا بحاجة الإنتاج والشراكة مع المنشآت القائمة ولا شك أن ذلك يتطلب في المقام الأول وجود حصر شامل لبيانات الباحثين عن عمل والتغلب على المعضلة المزمنة التي تكمن في ضعف نظم وقواعد بيانات سوق العمل، وضعف قدرات راس المال البشري ونقص المدربين والمشرفين المؤهلين ،التي يمكن على أساسها وضع الخطط والاستراتيجيات التي توجه نوعية مخرجات التعليم والتدريب في الألفية الثالثة، وتحديد الدور الفاعل الذي يمكن أن يقوم به القطاع الخاص العربي في الاستثمار والمشاركة في تطوير التعليم والتدريب المهني والتقني التطبيقي، وضمان تجويد مخرجات التعليم وموائمتها مع احتياجات سوق العمل، والمساهمة بالتمويل في هذه الخطط التي تسهم في زيادة القدرة التنافسية للعمالة العربية تجاه العمالة الأجنبية،وهذا يتطلب مضاعفة مساهمة القطاع الخاص فيما يتعلق بالشراكة مع مؤسسات التعليم والتدريب الحكومية، وكذلك امتلاك وادارة مؤسسات تعليم وتدريب لضمان إعداد الكوادر الفنية والإدارية التي يحتاجها السوق وفق الضوابط والمعايير التي يطلبها، وباعتبار أمن مشاركة القطاع الخاص في هذه المجالات يشجع على المنافسة مع القطاع الحكومي لأن غياب القطاع الخاص يحول دون اعتماد نظام جودة لقياس موائمة المخرجات مع سوق العمل ويدعم قدرات رأس المال البشري للمدربين والمشرفين، كما أن مساهمة الحكومات في المؤسسات التدريبية يحول دون عزوف القطاع الخاص عن الاستثمار بالتعليم والتدريب المهني والتقني التطبيقي لارتفاع تكلفته من جهة ،ثم عدم قدرة الملتحقين بهذا التعليم على تحمل نفقات الدراسة، وهذه الاشكاليات عامل مشترك بين جميع الدول العربية مما يستوجب تكوين فريق عمل من المتخصصين و الخبراء العرب لإعداد خطة عربية عاجلة لإصلاح التعليم والتدريب المهني والتقني و الاهتمام بالتدريب التحويلي، وإعداد قاعدة بيانات للتعليم والتدريب المهني والتقني تيسر انتقال الخبرة والمعلومات بين الدول العربية، قبل فوات الأوان بعد أن أصبحت الفجوة الزمنية بين الدول العربية والمتقدمة والآسيوية ربع قرن، وتتجه للزيادة إذا استمر الوضع كما هو عليه.