"استثمر بسهولة" وحده لا يكفي!

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/يوليو/٢٠١٦ ٢١:٢٨ م
"استثمر بسهولة" وحده لا يكفي!

علي بن راشد المطاعني

إذا كانت معدّلات تأسيس شركات عبر برنامج "استثمر بسهولة" حطّم أرقاما قياسية في إنجاز معاملات بالدقائق إن لم يكن بالثواني، وعبر الشبكة العالمية للانترنت دون أن يكلّف المستثمر أو التاجر نفسه عناء الوصول لوزارة التجارة والصناعة أو إحدى مديرياتها في المحافظات، وإنما من هاتفه الخاص ويؤسس شركة في هذا القطاع أو مؤسسة في هذا المجال ويضيف أنشطة وفق توجهاته ومجالات عمله، وهو إنجاز مهمّ يتحقق في السلطنة الذي تجسّد في نظام "استثمر بسهولة" ونال جائزة الأونكتاد في القمة العالمية لمجتمع المعلومات عن فئة التجارة الإلكترونية بجنيف مطلع العام الجاري، إلا أن ذلك وحده لا يكفي عمليا لممارسة الأنشطة التجارية إذا لم تواكب الجهات الحكومية الأخرى هذا التوجه وبهذه السرعة العالية والديناميكية التي يشهدها العمل في إتاحة إصدار السجلات التجارية وتوابعها من خدمات كثيرة في الأنشطة الاقتصادية والاستثمار في السلطنة.
والعمل التجاري كلٌّ متكامل لا يمكن أن ينتهي بإصدار سجل تجاري إلكترونيا أو ورقيا ما لم تكن كل الجهات المختصة تعمل برتم واحد في الانتهاء من المعاملات ليشرع المستثمر في ممارسة العمل على أرض الواقع وهو ما يتطلع إليه المستثمرون من داخل السلطنة وخارجها، الأمر الذي يتطلب أن تعيه الوزارات المعنية بالموافقات والتراخيص المرتبطة بممارسة الأنشطة الاقتصادية وأن تعمل بشكل أفضل مما هي عليه وأن تدرك جيدا متطلبات العمل، فوجودها في الأساس ووجود العاملين فيها مسخَّريْن لمثل هذه الأعمال حتى تتكامل الجهود لدفع الاستثمار في البلاد إلى ما نتطلع إليه جميعا.
فبلا شك إن الغايات والأهداف واحدة لخدمة هذا الوطن، إذ تنطلق من مدى تفاعلنا مع متطلبات العمل الوطني في كل ميادينه ومجالاته، وإدراك المراحل التي يمرّ بها ومدى القدرة والتفاعليّة العالية التي يتطلبها الإنجاز في هذا الوقت بالذات الذي يشهد تنافسا شرسا لجذب الاستثمارات وتهيئة البيئة الملائمة لمواكبة التطورات، فالجهود المبذولة لإصدار سجلات تجارية كأول ما يتطلب عمله لممارسة العمل التجاري حققت إنجازات باهرة عندما سجلت أرقاما قياسية في إصدار سجل في غضون 145 ثانية، كأسرع معاملة على الإطلاق ربما ليس في السلطنة، ولكن أيضا في العالم، بل هناك اليوم 70 خدمة إلكترونية ذاتية يمكن أن ينجزها المستثمر من مكتبه أو بيته أو حتى من جهازه المحمول عبر "استثمر بسهولة" الذي يعمل 24 ساعة في 7 أيام أي على مدار الساعة، وليست هناك مواعيد للدوام أو المكاتب أو الإجازات، بمعنى أن العمل لن يحتاج إلى مكاتب وثيرة أو دوامات بمواقيتها سواء للموظفين أو المستثمرين حتى يتم الالتزام بها، وإنما ستكون عبر الأثير ومن خلال إنجاز العمل عبر الموظف أو الدائرة أو القسم، وتقييم الأداء الذي يراقب عن بعد ليس في مسقط وإنما في كافة محافظات السلطنة ليكشف عدد المعاملات التي أنجزها الموظف الواحد ومعدلات الأداء في اليوم قياسا بعدد الموظفين وساعات العمل وغيرها من متطلبات تقييم الأداء المعروف عالميا (kpiz) في ثورة في تقييم الأداء تحقق في السلطنة لأول مرة يقيم الموظفين في الحكومة بهذه الدقة التي يقاس بها أداء الموظف في المحطة الواحدة بوزارة التجارة والصناعة يوميا،
فاليوم ربما لا يتفاجأ الموظف بأن أداءه يمكن أن يتابعه وزير التجارة والصناعة، ويشكره على ما يقوم به، في حين يوبّخ زميله في نفس الدائرة أو في محافظة أخرى لم ينجز المعاملات المطلوبة منه في زمن قياسي أو عدد أقل من المعاملات أو عطّل الاستثمار طبعا، إلا أنه كما أسلفنا إن هذا التطور في إصدار السجلات يحظى بدعم من مجلس الوزراء الموقر لن يكفي إذا لم تتعاط وزارة القوى العاملة إيجابيا مع طلبات القوى العاملة بالسرعة التي يشهدها إصدار السجلات التجارية، أو الانتهاء من التراخيص البلدية في الوقت المناسب، فضلا عن التراخيص الأخرى من وزارة البيئة والشؤون المناخية أو شرطة عمان السلطانية وغيرها من الجهات التي تتواكب مع معطيات إصدار السجلات التجارية، فهذه التراخيص وتلك الجهات تكمل العمل في الاستثمار الذي تطلقه هذه الجهة بسرعة الضوء قياسا مع ما نشهده من بيروقراطية في العمل الحكومي، والمعاناة التي يواجهها المستثمرون الوطنيون والأجانب، ولكي نكون واقعيين. فالمشكلة ليس في إصدار السجلات التجارية التي تحقق تقدما مذهلا في كل أنشطتها وما يطلبه المستثمر يمكن أن يحصل عليه إلكترونيا دون عناء، لكن المشقة في بقية الجهات التي لا تتعامل مع هذه التطورات إيجابيا وبالسرعة المطلوبة وبالتالي لا تفشل عملها فحسب، وإنما تؤثر على الإنجازات المحققة من الجهات الأخرى التي تسير كما يبدو بسرعة البرق في حين تسير الجهات الأخرى ببطء كالسلحفاة، فشتان بينهما،وهو ما ينبغي تلافيه بأسرع وقت ممكن لتتكامل الجهود الحكومية في بلورة توجهات جديدة لتسريع ممارسة العمل التجاري بشتى أنواعه ومجالاته من أنشطته.
بل من المفرح حقا أن وزارة التجارة والصناعة لن تكتفي بالخدمات الإلكترونية عبر "استثمر بسهولة"، هذا النظام العالمي المتكامل الذي يوفر قدرا كبيرا من المعلومات والإحصائيات ويتيح الاطلاع على مستويات الإنجاز وغيرها من خدمات أصبحت تتيح الكثير مما يتطلب معرفته، وإنما بدأت عملها في المجمعات التجارية في محافظات السلطنة من خلال فرق عمل من موظفيها يجوبون المراكز التجارية لتقديم خدماتها،
إن‏ ما ينبغي التركيز عليه في هذه المرحلة والمرحلة القادمة هو تسريع ربط الجهات المختصة بالمحطة الواحدة الافتراضية وتسهيل الحصول على خدمات مساندة لبدء الأعمال التجارية، وعدم الاكتفاء بذلك بل لا بد من تحديد إطار زمني للانتهاء من البيروقراطية المزمنة التي تلازمنا في هذه الجهات بدقة متناهية وقياس الأداء بها، فليس هناك ما يتطلب كل هذه العوائق من الجهات الحكومية التي يرى البعض أنها تحد من الاستثمار في القطاعات الاقتصادية، والقضاء على كل الحجج التي يردّدها البعض في صعوبة ممارسة العمل الاقتصادي في البلاد، ولا يمنع في المقابل الإمهال وعدم الإهمال في مثل هذه الجوانب خاصة مع توفر البيانات عن المستثمرين وأنشطتهم ومعرفة الجاد منهم ومساندتهم وغير الجادين ووضعهم تحت مراقبة القانون، فليس هناك أمر خافٍ على الجهات الحكومية متى رغبت في معرفة أمر معين خاصة في ظل التقدم التقني الذي يكشف كل الأمور من خلال الضغط على زرّ في جهاز الهاتف أو الحاسب الآلي حتى تتدفق المعلومات التي تحتاجها تباعا لتكتشف أين الخلل.