المفقودون في لبنان..ألم يسكن الذاكرة

الحدث السبت ٣٠/يوليو/٢٠١٦ ٠٢:١٢ ص

بيروت – وكالات

تحولت أسماء عشرات آلاف المفقودين في لبنان إلى قصص مؤلمة تعيش في الذاكرة، بينما ما يزال أقرباء آلاف المفقودين، حتى اليوم، ورغم انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 بتوقيع اتفاق الطائف، يواصلون معركتهم لمعرفة مصير أبنائهم وأقربائهم. وبحسب بعض التقديرات، فإن الحرب الأهلية اللبنانية خلفت أكثر من 150 ألف قتيل و17 ألف مفقود أو مخطوف.

الحرب الأهلية الدامية في لبنان، يسترجعها اللبنانيون عادة بعبارتهم المشهورة بـ «تنذكر وما تنعاد»، نظرا إلى ما سببتهُ من ألم عميق سكن وجدان الشعب اللبناني، وما يزال لهذه الحرب، تبعات وآثار، لم تمحَ من الذاكرة، رغم مرور 26 عاماً على طي آخر صفحتها.

لم نبك أولادنا

شهدت الحرب الأهلية اللبنانية، نزاعاً داخليا، وصراعاً على مستوى الإقليم، كان الاحتلال الإسرائيلي أحد لاعبيه الفاعلين، وسجل النزاع فصولا مرعبة من العنف وانتهاكات حقوق الإنسان والخطف.
وتقول مريم سعيدي، والدة ماهر الفتى البالغ 15 عاما والذي فقد في 1982: «الذين دفنوا أولادهم، تمكنوا من البكاء عليهم، أما نحن، فلم نبك أولادنا». وتشارك سعيدي منذ العام 2005 مع أمهات أخريين باعتصام مفتوح في خيمة منصوبة أمام مقر الأمم المتحدة في بيروت. ومنذ سنوات، اصطدمت كل الحملات المطالبة بكشف مصير المفقودين، برفض التجاوب من الأحزاب التي كانت متورطة في الحرب، و«بتقاعس من جانب الدولة».
منذ 2012، تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على جمع «قاعدة معطيات حول كل العناصر المرتبطة بالأشخاص المفقودين، مثل تحديد مكان اختفائهم (أو خطفهم) وملابس عائدة لهم»، بحسب ما يقول رئيس بعثة اللجنة في لبنان فابريزيو كاربوني.
وأشار فابريزيو إلى جهود حثيثة تقوم بها اللجنة من أجل الحصول على موافقة الحكومة لجمع المعطيات البيولوجية، بينها مثلا «لعاب» الأهل الذين يشيخ العديد منهم سنة بعد سنة.
و وضعت لجنة أهالي المفقودين ولجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين (سوليد) مشروع قانون بمساعدة من المركز الدولي للعدالة الانتقالية، يدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق بقيادة الشرطة اللبنانية ومساعدة اختصاصيين في علم الآثار والأنتروبولوجيا.

بحثت عن مفقودين ففقدت

موقع «فسحة أمل» اللبناني، المعني بملف المفقودين في لبنان، نشر مئات القصص، ومنها هذه الشهادات، والتي تؤكد أن هذه القصص، ما تزال، ألمٌ يسكن الذاكرة. وينقل الموقع قصة «اعتدال عوض»، والتي كانت «دائما تتجه صوب بيروت للبحث عن ابنها وزوجها المخطوفيْن. وفي مرة خرجت للبحث عنهما، فكانت آخر مرّة تخرج فيها. ذلك اليوم خرجت اعتدال كعادتِها ولكنها لم تعُد». تعلق ابنتها على هذه الحادثة بالقول: فُقِدَت أمي بعد أن قُقِدَ أبي وأخي الصغير بشهر فكان وقع ذلك عليّ وعلى الأسرة رهيب. فقدنا أعز ما نملك وبدأت التعاسة تعمُّ حياتنا. لم نهنئ بطفولة طبيعية مثل باقي الأطفال. وكنا نفتقدهم في كل عيد وفرحة ونتذكر وجودهم معنا. كنت عندما أتخاصم مع والدة أبي كانت تسألني من أشبه؟ وتكمل والدتك أفضل منك بكثير.
وتضيف: «كانت أمي تحب طبخة الملوخية كثيرا. كلما أتحدث عن أمي أشعر بحزن وضيقة شديدة لأنها ليست معي. لم أنساها وما زالت ذِكراها في خاطري حتى الآن. إذا ما سنحت لي الفرصة لرؤيتها أو التكلم معها، سأقول لها: اشتقتُ لكِ كثيراً وكم أتمنى أن اُكمِلَ باقي عمري معكِ».

أنقذ عائلتهُ وفقدَ في الحرب

ينقل الموقع قصة جلال عابد، الذي يصفهُ بأنه كان شخصاً أنيقاً يهتم بمظهره الخارجي. وناضجاً وراكزاً ويحبُ مرافقة من هم أكبر منه سناً، كما أنه كان شخصاً متواضعاً وبسيط. كان يهوى ممارسة كرة القدم، والركض بالإضافة الى المشاركة في سباق الدراجات. وكان يطمح بتأسيس عائلة والاستمرار بالعمل في نفس المهنة كحدّاد. بتاريخ 5 يونيو 1985 حدث إطلاق نار على اطراف مخيم صبرا وشاتيلا – أثناء حرب المخيمات – فطلب جلال من عائلته ترك المنزل والتوجه إلى مكان أكثر أمناً وبقي هو مع جدته حيث فُقِد بعد أخذه من المنزل ولم يُرَ بعدها.

يقول شقيقهُ في إفادته، إن والده اضطر لدفع مبالغ طائلة تسببت له بخسائر مالية كبيرة، في سبيل معرفة مصير أبنائه، موضحا أن الكثير من الناس استغلت هذه الحالة، لتقوم بتزوير رسائل وهمية على أنها من أولاده وأنهم بحاجة إلى أموال، ليتبيّن لاحقاً أنّ كل ذلك كان وهماً بوهم. وبسبب الدفع الكثير، تراجع الوضع المادي كثيراً. ويكمل شقيق جلال إفادته بالقول: أثر اختفاء أشقائي كثيرا على الوضع العام في المنزل وخصوصاً على الوالدة التي وصلت إلى مرحلة انفصام الشخصية جراء هذا الجرح الكبير. حتى أنّها باتت تكلمهم وكأنهم موجودون في المنزل. والوالد صار مهموما ولا يكلم أحدا وتعرض لوعكات صحية كبيرة. فقد جلال في العام 1985، عندها كان عمرهُ 19 عاماً، ما يعني أنه الآن أتم الخمسين عاماً من عمرهِ، لو كان مقدَّراً له أن يكون بين ذويه.