متى نرى مركزا للتحكيم التجاري العماني؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٤/أغسطس/٢٠١٦ ٢٢:٤٩ م
متى نرى  مركزا للتحكيم التجاري العماني؟

علي بن راشد المطاعني

في ظل التطور الاقتصادي الذي تشهده البلاد في العديد من القطاعات الاقتصادية والانفتاح على العالم، وجذب الاستثمارات الاقتصادية، من الطبيعي أن تنشأ خلافات اقتصادية بين الشركات والمستثمرين المحليين والأجانب في جوانب العمل المختلفة، نظرا لتعقيدات العمل وتشابكه بين العملاء واختلاف التفسيرات للتعاملات الإدارية والمالية والقانونية بين الشركاء، ونظرا لأهمية تعزيز المناخ الاستثماري في السلطنة والنشاط التجاري تبدو أهمية التحكيم التجار‏ي والتسريع به قدر الإمكان أمر له شأن في البلاد لانعكاساته الإيجابية على العديد من المستويات والأصعدة السياسية والاقتصادية وتوفير المناخ الملائم للمستثمر الذي يريد الاطمئنان على استثماراته وأمواله وسلاسة العمل لضمان الحقوق بين المتعاملين، ويتقين الجميع أن هناك ضمانات كثيرة لحماية أموالهم وحقوقهم بموجب هيئات ومؤسسات تحكيمية تتسم بالعدالة والإنصاف للمتخاصمين التجاريين فيما ينشب بينهم من نزاعات تعتري أي تعاملات تجارية وغيرها.
فهذه المراكز التحكيمية تصنف بأنها تحمي الاستثمارات وتعزز النزاهة والشفافية في دول العالم، وتزيل العقبات التي قد تقف عائقا أمام أخذ الحقوق من خلال التقاضي الذي قد يطول كثيرا في إنهاء الخلافات مما يسبب ضياعا للحقوق وإطالة في استرجاع الأموال، ولهذا كان إنشاء المركز كسبا للوقت والجهد في إحقاق الحق في موضعه بين المتعاملين بطرق أكثر سرعة وسهولة ورديفة للتقاضي أو التصالح المبني على الإنصاف وإرجاع الحق لأصحابه وفق محكمين تجاريين يشار لهم بالبنان وترتضيهم الأطراف في نزاعاتها وإنهاء خلافاتهم.
فبلا شك إن مركز التحكيم التجاري العماني المنتظر خطوة ستكون إضافة نوعية لما تتمتع به السلطنة من مناخ استثماري مشجع وأنظمة قضائية عادلة للبت في النزاعات التجارية على أسس منصفة لكافة المتقاضين، لأن هذا المركز سيهدف إلى فض المنازعات التجارية الناشئة عن التعاملات بكافة أشكالها وأنواعها بسرعة تتوافق مع متطلبات العمل الاقتصادي وتواكب المتغيرات العالمية الحديثة، وبطرق تعكس أهمية الأموال والتسريع في البت في الإشكاليات الاقتصادية بحيث لا تؤثر على المستثمرين، وتلافيا لحل النزاعات بالطرق التقليدية التي تستهلك من الوقت ما لا يتماشى مع المصالح التجارية وتعطلها في درجة التقاضي المعروفة.
والكل يعلم أن المحاكم مثقلة بالكثير من القضايا وفق الأنظمة القضائية وتتيح مجالا للتقاضي وفق إجراءات تأخذ الكثير من الوقت وتؤخر مصالح المستثمرين، ووجود هيئة تحكيمية محايدة من شأنها أن تخفف عن المحاكم هذه الأعباء وتسهّل على المستثمرين والمتعاملين التجاريين التقاضي بواسطة التحكيم، وإعطاء المجال للتحكيم التجاري ليسهم في تحرير الشركات والمؤسسات من الكثير من الإجراءات التي تعيق العمل في تحصيل حقوقها وإنهاء منازعاتها، خاصة وأن الكثير من الاتفاقيات بين الشركات تشير إلى أن المنازعات تحل بواسطة التحكيم التجاري أو تتم إحالتها إلى هذه الهيئات مما يستوجب التعجيل في إنشاء المركز الذي سوف يسهم في حلحلة الكثير من الأمور التي تواجه المستثمرين والتجار، ويضفي الكثير من السلاسة في العمل التجاري في البلاد مما يعزز من مكانتها الاقتصادية بين الدول.
فاليوم تلجأ الشركات الوطنية إلى التحكيم التجاري الخارجي مثل مركز التحكيم التجاري الخليجي أو في الدول الأخرى في منازعاتها الإقليمية والمحلية لعدم وجود مؤسسة تعني بهذا الشأن في السلطنة، فضلا عن أن المركز كمقترح من شأنه أن يجذب الشركات الخارجية لطلب التحكيم في منازعاتها التجارية عندما يكتسب سمعة محايدة مستقبلا، وبذلك يكون علامة تجارية معروفة مثل غيره من المراكز الدولية التي تلجأ إليها الشركات العالمية في التحكيم .
إن تجربة لجان التوفيق والمصالحة في السلطنة ونجاحها في فض الكثير من المنازعات بين المواطنين تجربة ذات دلالة في البت في القضايا قبل أن تصل سدة القضاء، واليوم لدينا إرث حضاري في عملية المصالحة سنّتها التقاليد العمانية يمكن أن يكون منطلقا مهما في إنشاء المركز العماني للتحكيم التجاري ليكون إضافة مهمة إلى المؤسسات القائمة في البلاد
وتستوعب مراكز التحكيم التجاري في العادة المختصين في المجالات التجارية ذات العلاقة بالأنشطة الاقتصادية بأنواعها كافة بالإضافة إلى الإلمام القانوني مما يسهل عملية الفصل في القضايا، فضلا عن سرية الجلسات في التحكيم التجاري بخلاف القضاء الذي يتيح علنية الجلسات.
وبالطبع التحكيم التجاري حلّ من الحلول الميسرة للتجار والمستثمرين، ولا يغني عن التقاضي إذا رغبت الأطراف، إلا أن بعض الاتفاقيات تحتكم للتحكيم التجاري كأساس لفض المنازعات بين الشركات والمتعاملين، لتسريع حل الإشكالات وإنهاء الخلافات.
نأمل أن يرى المركز العماني للتحكيم التجاري النور بأسرع وقت ممكن للضرورة التي يمثلها ليكون إضافة مهمة للمؤسسات الاقتصادية يسهم في تعزيز العمل القضائي ويرفد العمل الاقتصادي بما يحتاجه من مؤسسات ذات أهمية في فصل النزاعات بطرق أكثر مرونة