جسر تركي يستحضر الآلام تاريخية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٩/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:١١ م
جسر تركي يستحضر الآلام تاريخية

اييشان ثارور

قبل أيام افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجسر الثالث في اسطنبول والذي يمتد فوق مضيق البوسفور عبر أكبر المدن التركية ويربط بين شطري مدينة اسطنبول الآسيوي والأوروبي. والجسر الذي تكلف ثلاثة بلايين دولار يأتي ضمن سلسلة واسعة من مشاريع البنية الأساسية المخطط لها من قبل اردوغان والحكومة التركية في محاولة لدعم الاقتصاد وحل مشكلة الازدحام المروري.
والجسر الذي يطفو على مدخل البحر الأسود هو أعرض جسر معلق في العالم، حيث يتضمن ثمانية مسارات طريق سريع للسيارات ومسارين للسكك الحديدية. وكما أعلن المهندس الفرنسي ميشال فيرلوجو الذي كان واحدا من المصممين الرئيسيين للمشروع فهذا الجسر يضع تركيا بين زعامات العالم ، معتبرا أنه البناء الأكثر عظمة في السنوات الفائتة .
ورغما عن ذلك فهناك العديد من الانتقادات التي توجه للمشروع، ومنها شكوى جماعات حقوقية أن الحكومة لم تصدر تقرير بيئي مناسب بشأن الآثار المترتبة على المشروع، وعبرت الجماعات الحقوقية عن خشيتها من إزالة المزيد من الغابات في ضواحي شمال اسطنبول، وهي المدينة المحرومة من المساحات الخضراء. وقال ناشط في الدفاع عن الغابات الشمالية في حديثه مع صحيفة "ذا ناشونال" أن مشكلة المرور التي لم يتسن حلها عن طريق جسرين لن يحلها جسر ثالث. وأضاف أن الجسور لا تقلل أزمة المرور لأنها تنقل المركبات وليس الركاب.
وهناك الاسم المثير للجدل الذي أطلق على الجسر "ياووز سليم أو سليم الأول" تكريما للسلطان العثماني التاسع سليم الأول الذي قام بشن الحملات العسكرية ومارس نظام حكم اتسم بالقسوة. وعندما تم الاعلان عن الاسم في حفل وضع حجر الأساس عام 2013 أثار قدرا كبيرا من الجدل لاختيار اسم السلطان الذي اشتهر بغزواته باتجاه الشرق في بداية القرن السادس عشر وتوسيع نطاق سيطرة الإمبراطورية العثمانية على مصر والأراضي المقدسة ومواجهته مع الإمبراطورية الصفوية في إيران أئنذاك، وانتصر على الصفويين في معركة جالديران عام 1514، والتي أسفرت عن إعادة رسم جزء كبير من خريطة الشرق الأوسط الحديث.
ويقول العلويون أن 40 ألف منهم قتلوا على يد قوات الامبراطور العثماني، على الرغم من أن المؤرخين الأتراك يشككون في هذا الرقم. وعلى أية حال فقد أدى تسمية هذا الصرح المعماري باسم السلطان سليم الأول الى احتجاجات من العلويين الذين يشكلون 10 إلى 15 في المئة من سكان تركيا، وهذه الأقلية تميل إلى التصويت لصالح الأحزاب اليسارية أو العلمانية المعارضة لحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه أردوغان، والذي يحظى بتأييد الكثير من المناطق السنية المحافظة في تركيا.
ويعتبر كثير من العلويين أن اسم الجسر مؤشر على عدم الاحترام واللامبالاة لتاريخ من التهميش والتمييز يمارس ضدهم. واقترح كمال قليتش دار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي يمثل المعارضة الرئيسية في تركيا، اقترح تسمية الجسر باسم مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية.
ومن الواضح أن أردوغان يبدي اهتماما واضحا بإقامة تركة ربما تتجاوز أتاتورك ويسعى بكل طريقة ممكنة لإعادة تأهيل أو إعادة إحياء التاريخ العثماني لتتناسب مع رؤيته في الحكم. ويبدو أن الجدل حول تسمية الجسر قد تبدد في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة الشهر الفائت، وأصبح اسم السلطان سليم الأول أمرا مقضيا.

كاتب متخصص في الشؤون الخارجية بصحيفة واشنطن بوست