تحدياتنا صادمة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٩/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٥٤ م

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
malrahby

أكررها: إننا جيل ضحية، هذا الجيل القابع بين جيلين يواجه تحديات جمّة، منذ طفولته التي سارت وسط صعاب، حيث التنمية كانت في بواكيرها الأولى، ومع فقدان سبل التواصل كالتي نستشعر أهميتها اليوم تخدم سائر مكونات حياتنا، مع الفرجة والترفيه والمقاصد المتعددة المتحققة منها، لم تدخل طفولتنا فنتدرج في فهمها، كما تفعل مع جيل أو جيلين نشآ عليها، إنما لكل شيء فتنته.

هذه الفتنة نواجهها نحن أيضا، ذلك الجيل السابق، كوننا في مرحلة ما يمكن تسميته بـ «جيل الآباء»، فيما يذهب جيل آبائنا إلى مسميات أخرى، أجداد، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، ونبقى نحن في حيرة مواجهة تحديات لم نتعلم منهم كيف نواجهها، إذ أساليب التربية تغيرت، والفتى الذي يلازم والده طوال ساعات اليوم، ويعود إلى المنزل قبل أن يحل الليل تغيرت أطباعه، لم يعد يراه والده كثيرا، وحلول الليل تصاعد ليكون منتصف الليل، أو ربما الفجر!!
وفيما تضغط ظروف الحياة على أولياء الأمور بمتطلبات تتصاعد مع ارتفاع كلفة المعيشة، فإن أحوال أبنائهم ضاغطة بشكل أكبر، فكلفة تعليمهم عالية، رغم التعليم الحكومي المجاني، إلا أن البعض يفضلونها «خاصة» والأسباب في ذلك منطقية إلى حد ما، إنما التحدي الأهم هو تفشي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مع انتشار الهواتف النقالة والحواسيب اللوحية، وقد غدت كأنها ألعاب أطفال، وكأنها لم تكن ذات يوم حلم الكبار، يقتنونها فيشعرون أن العالم أصبح بين أيديهم معرفة وانفتاحا، ولنا في ظهور جهاز النداء الآلي «البيجر أو البليب» شاهدا على بداية التحول التقني على المستوى الشخصي.
أين موقعنا كمربين للأجيال وسط ما يحدث من هجمة تقنية كالسيل الهادر تقتلع أكثر مما تنبت من زرع؟ وماذا بأيدينا أن نفعله لتجنيب أبنائنا حالة الغرق حيث تحملهم الأمواج بعيدا عنا، وتبدو أيادينا الممتدة إليهم قشة صغيرة أحيانا، لا تجدي في زمن الطوفان.
هناك من يراهن على مراقبته الدائمة لأطفاله وهم يسبحون في تيار التقنية، هذا مهم إلى حد كبير، لكن هناك مجتمع المدرسة، الأقران في الحارة، أوقات يغفل فيها الأب /‏ ولي الأمر عن متابعة مستمرة قد تكون بمثابة الحصار الذي يبحث فيه المحاصر عن غفلة الرقيب ليكتشف ماذا يمنع عنه، وهذه الفطرة الإنسانية متوفرة بكثرة في نفوسنا، بدءا منذ سيدنا آدم عليه السلام الذي كان يعيش في الجنة فعصى ربه من أجل فضول دله الشيطان إليه متمثلا في ثمرة لا تغني شيئا وسط النعيم الذي كان فيه. هذا أول البشرية الذي أمر الله ملائكته، إجلالا للآدمي الأول على وجه الأرض، أن يسجدوا له!!
هذه التحديات، وكما يمكن أن توصف، معاصرة بما تنعدم فيه الخبرة لمجابهتها، وأيضا صادمة للجميع حيث نقع، أفرادا وجماعات، في مواجهة غير متكافئة، حيث الانبهار بها لا يتيح رؤية صحيحة أو التعامل السليم معها، وقبل أن نستفيق من ظهور هاتف يمكننا حمله في جيوبنا يتضح لنا أن تلك لم تكن ذكية كالتي تجيء بعدها، وأن ما كنا نظنه مثيرا كصورة إباحية في مجلة مهربة (على سبيل المثال) سيكون تطبيقاً متاحاً في هواتف أولادنا، وحرمانهم من الهاتف ليس الحل الأمثل، إنما هل نحن بمستوى هذه التحديات؟.. تلك هي القضية!