مواجهة الواقع! (3)

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢١/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٣٧ م
مواجهة الواقع!  (3)

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

واضح أن المرحلة الراهنة تعاني من أزمات، فكرية في الأساس، بين جيل قديم متمسك بمكتسباته الأولى، سواء نالها وفق الرؤية الرسمية لتوزيع الحقائب الوزارية وغيرها، أو نالها وفق كفاءة حقيقية، وبين جيل جديد لا يعترف بتلك الأبوّة حيث مفهوم الأب ملتبس لديه، أو أنه مختلف تمام الاختلاف عن تصوّر الأب، ومن سبقه، لمفهوم كهذا تداخل فيه أكثر من أب، وقد أصبح هذا في مرتبة دنيا كموصل للمعرفة، علما وتربية وسلوكا، ولا ريب أن التعامل مع الجيل الجديد مرتبك، القدامى المتربعون على الكراسي.. في البيت أو المؤسسة، عامة أو خاصة، لا يريدون التنازل عن حقوق يرونها مستحقة التبجيل، بينما هناك من ينكر عليهم البقاء، فكيف يشكر لهم ما يصنعون!
حدثت أخطاء في حسابات الدولة في عملية الإنفاق على المشاريع (كأبرز مثال) بما يفترض المحاسبة، إنما هل يمكننا محاسبة أنفسنا على ما اقترفناه في حقها ونحن نتخذ القرارات الخاطئة بما يضر الحاضر والمستقبل على حد سواء؟!
الحاضر مبهم، ومهمش على المستوى الشخصي أيضا، كأبسط دلالة على أننا لا نحسب للهزات حسابا، ففي عصر الوفرة المالية يمكننا التمتع بكرم رهيب، وإنفاق غير محسوب، على مستوى التفكير الحكومي أو الفردي، وحينما تقفر الحسابات فإن اللجوء إلى الاقتراض هو الحل الممكن، حيث لم يتم توفير "القرش الأبيض إلى اليوم الأسود"، وهناك من يلوم الحكومة على حساباتها الضيقة، بينما على المستوى البسيط واقع في ذات الأفق المحدود من التصرف، اللوم في الشأن العام متاح كونه يتمتع بخبراء ومستشارين يضعون خططا مدروسة فيما لا يتمتع الفرد برؤية كهذه.
لكن إن قصرت الخطى نحو توجيه التفكير الحكومي نحو ما نأمله كأفراد / مواطنين، وهي حسابات قاصرة على أية حال، مبنية على فرضيات وأقوال وأرباع حقائق، إن قصرت تلك الخطى فإنه على المستوى الشخصي لدينا ما يمكننا فعله لمواجهة الواقع، وما نطالب به المسؤولين للتحلي بواقعية حول ما يحدث يمكننا تطبيقه شخصيا، من خلال هذا البناء الاجتماعي الذي تأسس أيضا على رؤى إنفاق قاصرة عن فهم الواقع وتحديات الغد، وإن كان هامش الحرية يتيح لنا اتهام الحكومة بما وقع فيه أفراد فإن الاعتراف بالتواطؤ معها ضد أنفسنا ضروري.
ارتفاع الأسعار لم يلزمنا بانتهاج رؤية واقعية تجاه يومنا وغدنا، ولأن الأمثلة عن هذا الواقع من المهم أن تكون "واقعية" أيضا، لنطرح السؤال: من المستفيد الأكبر من هذا الصرف الباذخ على مستلزمات عيد الأضحى (كأقرب مثال)؟ وكم تبلغ خسائرنا الشخصية أو على صعيد الاقتصاد الوطني من مثل هذا التدافع على الشراء.. الملابس واللحوم والألعاب وسائر المشتريات التي أضرت باقتصاديات الأفراد، كما ساهمت في رحيل مئات الملايين إلى الخارج، لأننا لا نلبس ما نخيط (مثالا لا حصرا) وفي هذا تنافست آلاف من محلات الخياطة في بلادنا لـ (شفط) جيوبنا لأن نساء بلادنا يردن مجاراة الموضة، حيث المباهاة بالتطريز الراقي والتفصيل الأنيق، ثم يردد أكثرهن بأن حولنا فقراء.. لا تساعدهم الدولة!!.. علما أن كلفة فستان واحد أكثر من راتب عائلة من تلك التي يتذكرون أنها تحتاج للمساعدة.