بتر يد «الجوع»

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٦/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٥٠ م

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

أتأمل الصور على صدر الصفحات الأولى من جرائد الصباح، كما جرت تسميتها بأنها تأتي قبل شروق الشمس لتبدأ يومك بمعرفة ما يدور حولك، وما يمكن أن يضيف في رصيدك المعرفي والجمالي..

بشر تمزقوا بفعل قذائف أرسلها بشر آخرون، القتلى يدينون بنفس الدين كالذي عليه القاتل، ويتحدثون بذات اللغة، وكذلك القاتل، وهو إن لم يشارك مباشرة في مسرحية الدم هذه فإنه يباركها لأنها تدافع عنه، كي يبقى قاتلا.. وإلا تحول إلى مقتول!

الجوعى والمحاصرون.. في اليمن، سوريا، العراق، ليبيا.. هل من دولة عربية أخرى نسيتها، أو أنها في الطريق لاستضافة هذا العرض الدموي الذي انطلق مع بشائر التحرر من الطواغيت فإذا بالخدعة الكبرى التي انطلت على الشعوب، ربما سالت بضع قطرات متناهية الصغر من الحرية، لكنها لا تقارن أبدا بما جرى من أنهار دم، يسيل منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا، ولا يبدو أنه سيتوقف في المستقبل المنظور.
هذه البلدان كانت تتطلع إلى التنمية التي تصون للإنسان كرامته، كرامة العيش حينما لا يغدو رغيف الخبز يستوجب الذل، وبدلا من أن يجد المواطن فيها أمله في بلاد لا تحكمها أجهزة المخابرات حافظة النظام، ولا مزاج الحاكم الأوحد..
وحينما رحلت الأنظمة تساقطت معها بلدان، وضربت الفوضى بأطنابها لتخلخل مكونات الوطن الواحد، والذي عاش عقودا متماسكا كأفضل ما يمكن أن يقدمه النظام /‏ الزعيم لبلاد تتحين الفرصة لتتقاتل فيما بينها.
لم يكن بوسع أشد المتشائمين أن يتوقع ما يحدث من فوضى استمرت هذه السنوات بعد أن غادر «الزعيم» قصره إلى قبره، أو إلى «مزبلة التاريخ» كما يحلو للبعض تكرار مقولة الفنان دريد لحام الذي قدم أجمل المسرحيات السياسية كـ «كأسك يا وطن»، لكن العروض التالية لمسرحية الدم أنهكت الوطن السوري الجميل، أرضا وبشرا، مع أن الزعيم لم يغادر، لكن أشياء كثيرة غادرت أرض الشام، ومن بينها أن كرامة الأرض وحفظ دم المواطن السوري يجري التفاوض عليه بين واشنطن وموسكو، وإذا افترقا فإن القتل المجاني يرتفع بوتيرة كبيرة.
ذات الصورة تتكرر في ليبيا، حيث بشائر تشكيل حكومة الوفاق تصطدم بجبهات أخرى لا تريد أن تنهض بلادها من تاريخها البائس مع العقيد، فإذا بأكثر من عقيد ينبت من تحت الأرض، ليرفع البندقية ضد شقيقه في الوطن الواحد، وفي العراق هناك بعبع داعش وقد أنهك العراق، هذه التي تتطلع أن تستقر بعد عقود من جريان الدم، وقد تعددت أسباب سفكه، وتنوع سافكوه.

كيف لهذه البلدان أن تتمزق كأنما كان الطاغية الزعيم الموحّد، أم أن الوحدة كانت رغما عن المكونات، وبالسيف والدم كانت محفوظة، وهي تدفع الآن بذات الأسلوب أثمان انفصالها عن بعضها البعض؟

لو أن القذيفة التي بترت أعضاء البشر كما تبدو في الصور بترت يد الجوع عنهم، بثمنها الباهظ، لكانت الأوطان في مأمن مما يحدث، شعوب لا تجد من يدفع عنها غائلة الجوع والتشرد في مخيمات، لكنها تجد بكل بساطة من يمزقها إلى أشلاء!