تحدي الأمراض المقاومة للعقاقير

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٧/سبتمبر/٢٠١٦ ٠٠:٠٥ ص
تحدي الأمراض المقاومة للعقاقير

جيم أونيل
إيريك جوسبي

في كثير من الأحيان، نعتبر إمكانية علاج أي عدوى نواجهها من الأمور المسَلَّم بها، ونتصور أن الطب الحديث القدير سوف يفعل ما نفترض أنه قادر على فِعله بالضبط.
ولكن لنتخيل هذا السيناريو البديل: جاء تشخيصك أنك مصاب بمرض مُعد ربما يهدد حياتك وكان ذلك المرض في الماضي قابلا للعلاج في غضون أسابيع أو أشهر، ولكن قيل لك إن علاجك سوف يستغرق سنتين على الأقل، وسوف يشمل عِدة أشهر من الحقن اليومية وتناول نحو 14 ألف حبة دواء، مع آثار جانبية حادة. أنت أحد القلائل "المحظوظين" الذين جرى تشخيص مرضهم وإخضاعهم للعلاج، ولكن احتمالات شفائك من المرض لا تتجاوز 50%.
لن يربط معظمنا هذا السيناريو بما يسمى "الطب الحديث"، ولكن من المؤسف أنه واقع مأساوي لعدد كبير من الناس ــ خمسمائة ألف مريض والعدد في ازدياد ــ الذين يعانون من السُل المقاوِم للعقاقير المتعددة. والسُل المقاوِم للعقاقير المتعددة هو ما يحدث عندما تفقد العقاقير فعاليتها في التصدي لسلالات من الأمراض المعدية التي كانت قابلة للعلاج سابقا. لقد أصبح السُل الآن المرض المعدي الأشد فتكا على الإطلاق، فهو يقتل أكثر من مليون إنسان سنويا، ويستمر السُل المقاوِم للعقاقير المتعددة في الانتشار في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل في حين يناضل القائمون على تقديم الرعاية الصحية لمكافحته.
يفرض السُل المقاوِم للعقاقير المتعددة عبئا هائلا على أنظمة الصحة العامة والاقتصادات، وهو نذير بما يتعين على الدول الغنية والفقيرة على حد سواء أن تتوقعه مع تحول مقاوَمة مضادات الميكروبات إلى ظاهرة أكثر انتشارا. وفي غياب العمل المنسق المتضافر، فسوف تصبح سلالات مقاوِمة للعقاقير من أمراض معدية شائعة أخرى مثل المكورات العنقودية المذهبة أو إيكولاي أكثر شيوعا، وسوف تتعرض أنظمة الصحة والرعاية الصحية العالمية في مختلف أنحاء العالم لآثار زلزالية مدمرة.
مع تسبب مقاوَمة مضادات الميكروبات في جعل المضادات الحيوية غير فعّالة، تعمل الأمراض المعدية غير القابلة للعلاج على تحويل الإجراءات الروتينية نسبيا مثل زرع الأعضاء أو العلاج الكيميائي للسرطان إلى إجراءات متزايدة الخطورة. ومن الممكن أن تخرج عن السيطرة بسهولة مقاوَمة مضادات الميكروبات: وإذا لم نتصدى لها، فإن الأمراض المعدية المقاوِمة للعقاقير من الممكن أن تحصد أرواح عشرة ملايين إنسان بحلول عام 2050، مع ارتفاع التكلفة التراكمية في ما يتصل بالناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 100 تريليون دولار أميركي.
لن يتسنى لنا أن نتجنب هذا المستقبل القاتم إلا بإطلاق استجابة فعّالة على الفور. ومن حسن الحظ أن زعماء العالم في قمة مجموعة العشرين التي استضافتها مدينة هانجتشو في الصين في وقت فائت من هذا الشهر وضعوا مقاوَمة مضادات الميكروبات على أجندة المجموعة للمرة الأولى، وهو ما يشير إلى أن المجتمع الدولي يعترف بمقاوَمة مضادات الميكروبات باعتبارها تهديدا حقيقيا للتنمية الاقتصادية العالمية والرخاء العالمي. كما بذلت مجموعة العشرين أكبر جهد حتى يومنا هذا لتجديد خطوط أنابيب التنمية الصيدلانية المتوقفة لمضادات حيوية جديدة (والتي هي مطلوبة بشدة لكي تحل محل الأدوية التي أصبحت غير فعّالة) وطرح اختبارات تشخيصية تمكن الأطباء من استخدام العقاقير المتاحة لديهم بشكل أكثر فعالية.
يمثل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع في نيويورك فرصة أخرى للزعامة العالمية للتصدي لقضية مقاوَمة مضادات الميكروبات. وهناك أيضا، سوف تكون هذه القضية مطروحة على جدول الأعمال لأول مرة، مع استعداد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وزعماء العالَم للتعهد بالتصدي لارتفاع مقاوَمة العقاقير في اجتماع رئيسي رفيع المستوى.
لتثبيط مقاوَمة مضادات الميكروبات، يتعين على الأمم المتحدة أن تبني على العمل الذي بدأته مجموعة العشرين. وباعتبارها منتدى الحكم العالمي الأكثر شمولا لدينا، فإن الأمم المتحدة هي المؤسسة الوحيدة القادرة على حشد الموارد والتزامات الزعامة التي يحتاج إليها التصدي لهذه المشكلة. ولكن الأمم المتحدة لن تكون فعّالة إلا إذا اتخذت خطوات حاسمة.
أولا، ينبغي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تبدأ دمج استجاباتها لمقاوَمة مضادات الميكروبات على مستوى كل الهيئات التنظيمية والقطاعات ذات الصِلة، بما في ذلك الرعاية الصحية، والزراعة، والتمويل. والأمم المتحدة في وضع فريد يسمح لها بمساعدة الدول على القيام بذلك. فهي قادرة على إقناع زعماء العالم وتعزيز التعاون الدولي وبين المنظمات في التعامل مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية العالمية؛ وبوسعها أن تستفيد من قوة أجهزتها الخاصة في تعبئة الموارد العالمية ضد مقاوَمة مضادات الميكروبات.
ثانيا، لإبقاء الأمور على المسار السليم، ينبغي للأمم المتحدة أن تعمل على وضع معايير واضحة تستند إلى نتائج يمكن قياسها، كما ينبغي لها أن تلتزم بوضع قضية مقاوَمة مضادات الميكروبات مرة أخرى على أجندة الجمعية العامة كل سنتين. وهذا من شأنه أن يخلق إطارا لقياس التقدم العالمي، في حين يبعث أيضا رسالة قوية مفادها أن الأمم المتحدة ملتزمة إلى النهاية، وأن قضية مقاوَمة مضادات الميكروبات لابد أن تكون على رأس أولويات الأمين العام المقبل.
أخيرا، ينبغي للأمم المتحدة أن تعين مبعوثا خاصا معنيا بمقاوَمة مضادات الميكروبات لضمان استمرار التقدم في السنوات المقبلة. ولابد من تعريف المبعوث باعتباره صاحب منصب رفيع المستوى، ومخول بالعمل مع الدول وهيئات الحوكمة المتعددة الأطراف على الحفاظ على الزخم في المعركة ضد مقاوَمة مضادات الميكروبات.
الآن، نستطيع أن نكون متفائلين بحذر بحصول قضية مقاوَمة مضادات الميكروبات أخيرا على القدر الذي تستحقه من الاهتمام العالمي. ولكن اهتمام العالم قد يكون عابرا، كما يعلم تمام العِلم أولئك منا الذين عايشوا مناقشات سابقة وحالية حول الأمراض المعدية. وإذا فشلنا في إلزام زعمائنا بالعمل الجاد المثابر فقد تكون العواقب مميتة للجميع.

جيم أونيل : الرئيس السابق لإدارة الأصول في بنك جولدمان ساكس، ورئيس برنامج مراجعة مقاوَمة مضادات الميكروبات لدى الحكومة البريطانية.
إيريك جوسبي : منسق مكافحة الايدز العالمي من الولايات المتحدة، وهو مبعوث الأمم المتحدة الخاص لشؤون مكافحة السُل.