ممنوع من النشر!

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٨/سبتمبر/٢٠١٦ ٠٠:١٦ ص

محمد بن سيف الرحبي

فاجأني أحد الأصدقاء حينما اعتذر عن عدم نشر قصة لي بالقول ضاحكا أن قرارات إيقاف الصحف تبدو جاهزة حاليا، وكذلك تعليق أحد الأكاديميين في حقل الإعلام الذي نقل عنه صديق قوله بأنه يبدو هناك توجّه لسجن الكتّاب والصحفيين!

الأمر ينطوي على حالة ساخرة وكاريكاتيرية عنصرها الأساسي المبالغة، وهذا شأن المشتغلين بالصحافة وعموم الكتابة، ولكن هناك من يتعامل مع الأمر بجدّية حتى أن النشر في الصحف الخارجية (القدس العربي مثالا) أو عبر المدونات والإنتشار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فالمبالغة في رسم الواقع لا تعني، بالضرورة، مثالية هذا الواقع للنشر والتعبير بحرّية كالتي يبتغيها الكتّاب، صحفيين أو أدباء، والقول أن في النص الأدبي إسقاطات أمر بديهي وطبيعي، فالقصة القصيرة ليست حكاية ما قبل النوم أو ما بعده، وكذلك النص الأدبي وهو يتجلّى حالما بمثالية يراها الشاعر أو الأديب، وهذه غالبا على قدر من التخيّل يغلب الحديث عن شأن واقعي يمشي بين الناس في حياتهم العادية.

قصتي عنوانها «ما قاله الراوي عن سعادة الحمار» والحكاية عن حمار يعيش في سعادة كبيرة، وحبكتها الحكائية أقرب إلى الروح الساخرة، حيث هذا الحيوان المحسوب دوما على الغباء يعرف كيف يبدو سعيدا وملامحه تبدو كأنه يبتسم، لكننا وقعنا في فخ توقعت أننا خرجنا منه منذ سنوات، التأويل كما تبحث المخيّلة عن شخص يرتدي قبّعة المقصود من ذلك النص، أو التحوير السطحي من أشخاص لا يمتلكون القراءات الداخلية للنصوص الأدبية.
وفيما كنت أستحضر مسرحية لي كتبتها وعرضت في حفل توزيع جوائز مهرجان الإبداع الإعلامي «قبل أن تشنق هذه الفعالية على أهميتها التحفيزية»، المسرحية عنوانها «ممنوع من النشر» وقدمت أمام مسؤولي الإعلام وحشد كبير من المشتغلين فيه، وقيل فيها ما أصاب الحضور بالدهشة من جرأتها، كأنما الخشية على الحرية من خارج البيت الإعلامي، وأدركت عبر عدة تجارب أن الخشية من الرقيب المجتعي أكثر، لأن هناك عشرات منهم ينصّبون أنفسهم أوصياء على المجتمع، كأنما هو قشرة بيض قابلة للكسر بجملة عابرة في نص أدبي عابر، أو مقال يطرح أسئلته الجريئة في عصر يحتاج إلى أن نتخلص فيه من رواكد النقل والمحفوظات نحو تقديم فكر متجدد لجيل لا يشبه سابقيه أبدا.
هل فعلا نعاني من تراجع الهامش على مستويات الحرية؟! أم أن بيننا من يستعجل لحظات قطاف ثمارها فيقع في المحظور؟ ليس على مستوى المساءلة الرسمية بل الاجتماعية أكثر، حيث يمكن رفع قضية على كاتب «أعزل» لم يجرب فعل الوقوف في موضع الاتهام داخل محكمة، فتغدو كتابة النص تسير وفق: ما تريده المؤسسة الرسمية، وما تريده المؤسسة الدينية، وما تريده المؤسسة الاجتماعية، وما يراعي فكر كثر يرفعون في وجهك قبل أن تناقشهم الآية القرآنية «والذين يحبون أن تشيع الفاحشة...» إلى آخر الآية، كأنما بضع كلمات في نص دالة على إتهام صريح لك من الممكن محاكمتك عليه، ويجادلونك بما هو أهم: لم نقرأ، ولا نريد أن نقرأ مثل ذلك!!».
في مرحلة سابقة كانت قضايا النشر تخص وزارة الإعلام وحدها «إلا ما يتعلق بالجانب الأمني» وكان قليلا، حتى أنه تمر سنوات لا نسمع عن قضية في ذلك.. في تلك المرحلة لم نسمع عن سجن صحفي أو كاتب بهذه الكثرة التي عليها في مرحلتنا الراهنة، حيث ساحة القضاء بها متسع للحكم على صاحب القلم، وتقزيمه بسيط جدا: ليس بصاحب قلم، وفكر كهذا لا نريده!
من هم؟!.. تكاثر الحراس دوننا، وعلينا، ومع ذلك فأني متفائل بقدرتنا على استيعاب «المرحلة»!