اعمل "لايك " ولك الأجر

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٧/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٠٥ م
اعمل "لايك " ولك الأجر

علي بن راشد المطاعني

يشتهر الناس في السابق بشجاعتهم وقوتهم مثل عنترة بن شداد، وكرمهم مثل حاتم الطائي، أو بموهبتهم الشعرية مثل شعراء الجاهلية، والمتنبي وأحمد شوقي وغيرهم، وأخذت القبيلة حيزا من الشهرة، فالبعض يعتز بقبيلته، وهناك قبائل في المنطقة العربية وخاصة الجزيرة العربية، ومنها السلطنة طبعا، مازالت تنظر للقبيلة، كشهرة ومكانة.
وبعضهم مغرم بالفن حيث أخذ مشاهير الفن ولاعبو كرة القدم مثل بيليه ومارادونا وميسي وغيرهم حصتهم من المتابعة، وأصبح الناس يقلدونهم، حتى إنهم يسمون أبناءهم بأسمائهم، ومازال هذا الهوس يخيم على أذهان الكثيرين، واليوم دخل المغردون على مواقع التواصل الاجتماعي سباق الشهرة فأصبحوا مشاهير يقاسون بعدد المتابعين لهم وهم بالآلاف والملايين في توتير والفيس بوك وسناب شات وانستجرام، ومن لديهم متابعون أكثر أصبح شيخ زمانه كما يقال، سواء استحق هذه الشهرة أو لا، بل أصبح يعتز بأن لديه حاشية من المتابعين الافتراضيين.
فالبعض يكتسبها من "فهلولة" كما يقال، لأنه صنع لنفسه شخصية مشهورة، لكسب أكبر عدد من المتابعين، أو يختلق أشياء تجعل المغردين يتابعونه، وترتفع شعبيته شيئا فشيئا، بل إن البعض يصل بهم الأمر إلى شراء متابعين، أو يستعين بشركات لزيادة أعداد متابعيه، عبر عروض من شركات أصبحت متخصصة في هذا المجال، تقدم عروضها وفق قيمة ما يدفع الشخص من مبالغ فيحصل على عدد متابعين، وقد يكون هؤلاء المتابعون وهميين، لمجرد إيهام الناس، بأن فلانا يمتلك قاعدة كبيرة من المتابعين يتشدق بها، أو يوهم الشركات بدعوته كمشهور في المناسبات، كونه لديه كم كبير من "الفلور" كما يطلق عليه بالإنجليزية.

بل البعض لا يتوانى عن زيادة عدد متابعيه، من خلال رسالة، على الوات ساب، ويدعوك لعمل لايك له في مواقع التواصل الاجتماعي، لكي يزداد متابعوه، ولا يتورع من خلال رسائل خاصة أن يقول " اعمل لايك ولك الأجر" كأن الأجر مرتبط بعمل "لايك" له للأسف في سباق جنوني بدأ يسيطر على أذهان الناس بشكل غير عادي، أو يرسل لك أرجو عمل "لايك"، أو إذا كانت لي عندك معزة، وغيرها من عبارات الاستجداء، والترجي التي تعكس أن هوسا بدأ يدب في أذهان شرائح واسعة من المجتمع، فيها مرض الشهرة يرغب في الصعود بأي شكل.
لقد أصبحت صناعة المغردين أو نجوم التغريد في مواقع التواصل الاجتماعي سلعة للبيع إلا أن الغريب في الأمر أن الذي يخدع الناس بأن لديه ملايين المتابعين، تتفاجأ بأن المحتوى الذي يرسله لا يرتقي إلى أن يتابعه العشرات، أو أنه لا يعرف أن يكتب جملة صحيحة، وتتساءل كيف له هذه القاعدة الشعبية التي يسوقها في حين أن أدباء وعلماء ومفكرين لا تجد من يتابعهم في مفارقة غريبة بين هؤلاء وهؤلاء.
وفهم المشاهير هذه اللعبة، وقيمتها المادية التي أصبحت تضاهي ما يكسبونه من مهنتهم الأساسية، سواء الفنانين أو اللاعبين أو أصحاب المواهب، فأصبحوا يكوّنون قاعدة شعبية من المتابعين في مواقع الشويشل ميديا، ويعرضونها على الشركات لتسويق منتجاتهم، كإحدى وسائل التسويق عبر شخصيات مشهورة في العديد من الهوايات والإبداعات، لدرجة أصبح هؤلاء العظماء في هواياتهم، يُستهلكون في تسويق سلع بعضها وهمي، وبعضها رديء ليست له قيمة، يسيء لسمعتهم، ويقلل من قيمتهم مع محبيهم، وبالتالي أ‏ثرت على شهرتهم في العديد من المجالات، وأضاعت العلامة التجارية للاعب والفنان بالانخراط بالترويج لسلعة قليلة الجودة، لذا وقوعهم في هذا المنزلق يكبده خسائر فادحة.
بالطبع ليس كل المشاهير ينخرطون في هذا المسار الذي يؤثر على سمعتهم التي بنوها في ثلاثين أو أربعين عاما بالترويج لسلعة ميتة، يوهمون بها المستهلكين، فهناك من يحترم مهنتهم وموهبتهم، وما قدمه للناس، بزلة حساب من حسابات التواصل الاجتماعي.
فالتغيرات في المجتمعات تمضي بوتيرة متسارعة، حيث كانت الشهرة تبنى على اعتبارات ‏لها وزنها مع الناس، ودورهم في الحياة، واليوم أصبح المشاهير من يملك أكبر عدد متابعين، ومحبين وغيرهم للأسف في سباق رخيص يستغل للأسوأ.

بالطبع ليس كل من يرغب في الشهرة، يمتهن هذه الأساليب الملتوية، لكن الأغلبية أصبحت مهووسة بهذه الطرق في الوصول إلى القمم دون أدنى جهد وتعب.
ولكن هذه الظواهر كغيرها سوف تختفي بمرور الوقت، وانكشاف حقيقة المشاهير من عدمه، من خلال إنتاجهم وعلمهم ودورهم في الحياة، وسيكون المتابع من الذكاء ما يجعله يعمل لايك لمن يستحق، ويتابع من يستفيد منه، وليس من يستجديه بعمل لايكات له، وأن ما نشهده من هرولة بزيادة أعداد المتابعين ظاهرة طبيعية لهذا الهوس بمواقع التواصل الاجتماعي، وإفرازاتها بجوانبها الإيجابية والسلبية كغيرها من الظواهر التي ألمت بنا في الفترات الماضية واختفت بمرور الوقت.