هل تحارب باكستان الإرهاب

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٥/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
هل تحارب باكستان الإرهاب

براهما تشيلاني

بعد مرور ما يقرب من سبعين عاما منذ إنشائها بوصفها الجمهورية الإسلامية الأولى في حقبة ما بعد الاستعمار، تترنح باكستان الآن على حافة الهاوية. فالاقتصاد راكد، ومعدلات الباحثين عن عمل مرتفعة، والموارد شحيحة. والحكومة في باكستان غير مستقرة، وعاجزة، ومبتلاة بالديون. والمؤسسة العسكرية هناك ــ جنبا إلى جنب مع وكالة الاستخبارات الباكستانية، التي تضم الجواسيس وقوات الشرطة السرية في البلاد ــ معفاة من الرقابة المدنية،.
الآن أصبحت باكستان المسلحة نوويا عُرضة لخطر التحول إلى دولة فاشلة. ولكن حتى إذا لم تفشل، فإن العلاقة بين الجماعات الإرهابية والمؤسسة العسكرية الباكستانية القوية تحيي شبح الإرهاب النووي ــ الخطر المهول إلى الحد الذي دفع الولايات المتحدة إلى إعداد خطة طوارئ للاستيلاء على الترسانة النووية السريعة النمو في البلاد إذا لزم الأمر.
لا شك أن الاراضي الباكستانية تُعَد "نقطة انطلاق" لبعض من التهديد الإرهابي الذي يواجه العالم. فقد جرى تعقب أثر العديد من الهجمات الإرهابية في الغرب إلى باكستان، بما في ذلك تفجيرات لندن في عام 2005، ومذبحة سان برناردينو في عام 2015. كما عُثِر على اثنين من المدبرين الرئيسيين للهجمات الإرهابية التي وقعت في الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ــ أسامة بن لادن وخالد شيخ محمد ــ متخفيين في باكستان. وفي التفجيرات الأخيرة في مانهاتن ونيوجيرسي، تبين أن المشتبه به المعتقل أحمد خان رحامي تحول إلى التطرف في مدرسة دينية في باكستان تقع بالقرب من المخبأ الذي يخصصه الجيش الباكستاني لقيادات حركة طالبان الأفغانية.
لكن الدول المجاورة لباكستان هي التي تتحمل وطأة الإرهاب ومن الواضح أن الهجمات الإرهابية الكبرى في جنوب آسيا، مثل ضربات مومباي في عام 2008، والهجمات على السفارتين الهندية والأميركية في أفغانستان في عام 2011، جرى تدبيرها من قِبَل وكالة الاستخبارات الباكستانية، التي رعت منظمات إرهابية مثل عسكر طيبة، وجيش محمد، وشبكة حقاني، لتنفيذ مخططاتها. وهذه ليست مجرد شائعات؛ فقد اعترف برويز مشرف بهذا الأمر إلى حد كبير.
وفي الهند على وجه الخصوص يستخدم الجيش الباكستاني ــ الذي لن يحظى بفرصة تُذكَر للفوز بحرب تقليدية ضد جارته العملاقة الهند برغم كونه سادس أكبر جيش في العالم ــ وكلاءه الإرهابيين لشن حرب سرية. فهذا العام وحده، عَبَر إرهابيون يدعمهم الجيش الباكستاني الحدود مرتين لتنفيذ هجمات ضد قواعد عسكرية هندية.
وفي يناير، ضربت جماعة جيش محمد قاعدة باثانكوت الجوية الهندية، وأعقب الهجوم أيام من القتال الذي أسفر عن مقتل سبعة جنود هنود. وفي الشهر الفائت، عبر أفراد من نفس الجماعة الحدود مرة أخرى لضرب قاعدة الجيش الهندي في أوري، فقتلت 19 جنديا، الأمر الذي دفع الهند إلى تنفيذ ضربة جراحية انتقامية ضد مناطق تجمع المسلحين عبر خط السيطرة في كشمير المتنازع عليها والمقسمة.
كما تتهم أفغانستان وبنجلاديش وكالة الاستخبارات الباكستانية بتقويض أمن البلدين من خلال الوكلاء الإرهابيين. وتتهم كل منهما باكستان بتنفيذ الهجمات المروعة الأخيرة في العاصمتين كابول ودكا على التوالي،
وقد أصبحت باكستان معزولة بسبب هذه الأنشطة. ومؤخرا، ألغت جاراتها الإقليمية ــ أفغانستان، وبنجلاديش، وبوتان، والهند، ونيبال، وسريلانكا ــ قمة رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي والتي كان من المقرر انعقادها في مطلع الشهر المقبل في العاصمة الباكستانية إسلام أباد. كما حذر رئيس وزراء سريلانكا، رانيل ويكريميسينغ، من أن "الإرهاب العابر للحدود" يهدد مستقبل رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي.
ولكن لم يكن تضاؤل المكانة الدولية وتزايد العزلة الإقليمية كافيا لحث المؤسسة العسكرية المهيمنة في باكستان على إعادة النظر في موقفها . ويرجع أحد الأسباب وراء هذا إلى أن باكستان تتمتع ببعض الرُعاة الأقوياء. فإلى جانب تلقي المساعدات المالية من المملكة العربية السعودية، أصبحت باكستان في بعض النواحي حليفا للصين، التي توفر الحماية السياسية
ففي هذا الشهر، نسفت الصين للمرة الخامسة في غضون عامين العقوبات التي اقترحت الأمم المتحدة فرضها على مسعود أزهر، رئيس جماعة جيش محمد المقيم في باكستان، وهي الجماعية التي اعتبرتها الأمم المتحدة منظمة إرهابية قبل سنوات. وقد أيدت العقوبات كل الدول الأعضاء الأخرى في لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن، خاصة وأن الهند قدمت أدلة تربط مسعود أزهر بعمليات القتل الإرهابية التي جرت في قاعدتيها العسكريتين.
ولكن عندما نتحدث عن المساعدات المالية، فإن الولايات المتحدة تُعَد المتبرع الأكبر لباكستان. أجل... فحتى بعد العثور على أمثال بن لادن على أراض باكستانية، تستمر الولايات المتحدة ــ الدولة التي قادت ما يسمى الحرب على الإرهاب ــ في تسليم مليارات الدولارات في هيئة مساعدات إلى باكستان، ليس هذا وحسب، بل إنها تمدها أيضا بكميات ضخمة من الأسلحة الفتاكة. كما تعارض إدارة الرئيس باراك أوباما اقتراحا في الكونجرس يقضي باعتبار باكستان رسميا دولة راعية للإرهاب.
يعكس هذا النهج التزام أوباما باستخدام الحوافز لحمل المؤسسة العسكرية الباكستانية على إقناع حركة طالبان بالموافقة على اتفاق السلام في أفغانستان. ولكن هذه السياسة أثبتت فشلها. وتظل الولايات المتحدة عالقة في أطول حرب في تاريخها، في حين تنفذ طالبان التي انبعثت من جديد هجمات متزايدة الجرأة في أفغانستان بمساعدة هيكل القيادة والسيطرة في باكستان، بطبيعة الحال. لم تنجح أي حملة لمكافحة الإرهاب قَط في وقت حيث تتمتع جماعات متشددة مسلحة بمثل هذه الملاذات عبر الحدود.
الواقع أن جلب السلام إلى أفغانستان، مثله في ذلك كمثل وقف انتشار الإرهاب الدولي، أمر مستحيل من دون مساعدة المؤسسة العسكرية الباكستانية وتملك الولايات المتحدة العديد من أشكال النفوذ: فباكستان لديها واحدة من أدنى نسب الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالَم، وهي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأميركية وغيرها من المساعدات الخارجية. وينبغي للولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها في هذا السياق لضمان إخضاع المؤسسة العسكرية الباكستانية ــ ومساءلتها عن تصرفاتها.

أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز بحوث السياسات الذي يتخذ من نيودلهي مقراً له،