الترويج عندما يصطدم بالواقع

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٥/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
الترويج عندما يصطدم بالواقع

محمد بن أحمد الشيزاوي
shfafiah@yahoo.com

(1)

هل يمكن أن ينجح الترويج والتسويق لأي علامة تجارية دون وجود شيء ملموس على أرض الواقع؟ سألت نفسي هذا السؤال وأنا أنتظر دوري في طابور ممل من الأرقام في أحد البنوك «الرائدة» كما تسمي نفسها.
لم يكن الملل هو وحده سيد الموقف ولكن الوجوه العابسة المكفهرة بالبنك هي الأهم، كما لم يكن موظفو البنك هم العابسون فقط وإنما الزبائن كانوا عابسين أيضاً، جاءت امرأة لتنتظر دورها لكنها لم تجد كرسياً لتجلس عليه، كانت جميع الكراسي محجوزة من الرجال ولم يكن في البنك مكان مخصص للنساء. انتظرت دقائق ثم غادرت، ولم يهتم أحد لأمرها.

(2)

هذا المشهد يتكرر في كثير من البنوك والشركات الكبرى والوحدات الحكومية. أذكر أنني أخذت إجازة لمراجعة أحد البنوك بولاية صحار، كان البنك مزدحماً بالزبائن، ذهبتُ لآخذ رقماً لأنتظر دوري بين أولئك المنتظرين لكن الآلة كانت معطلة، أخبرتُ الموظف بما أريد، فقال لي: النظام لا يعمل اليوم. وتابع: تعال غداً.

(3)

«تعال غداً» هذه العبارة كثيراً ما نسمعها، ليس في هذا البنك فقط ولكن في كثير من الشركات والجهات الحكومية الخدمية التي يفترض بها أن تساهم في جعل حياة الناس أكثر سهولة. ولكن هناك أشياء تحول دون ذلك، أحياناً النظام الآلي «السيستم»، وأحياناً الروتين الذي تتبعه الجهة التي نراجعها، وأحياناً الاشتراطات التي تضعها هذه الجهات لإنجاز معاملة ما، وأحياناً الضغوط المادية أو النفسية التي يواجهها العاملون في هذه الجهات أو ضغط العمل الذي يواجهونه والذي ينعكس على استقبالهم للمراجعين.

(4)

عندما نتصل بمراكز الاتصالات «خدمة الزبائن» في عدد من الشركات الكبرى نجد أحياناً أُناساً لطفاء ولكن في أحيان كثيرة نجد أُناساً عابسين كأنما يحملون الدنيا على رؤوسهم، وكثيراً ما يرفعون أصواتهم على المتصلين، ثم بعد ذلك يقولون لك: هل من خدمة أخرى؟
أحياناً عندما نتحاور مع العاملين في هذه المراكز نجد أنهم غير ملمين بمجال عملهم ويقدمون لنا حلولاً غير حقيقية ولا يحاولون استيعاب المشكلة التي نواجهها لنعيد الاتصال مرات عدة حتى نجد من يعرف الحل.

(5)

تنفق الشركات أموالاً طائلة لتسويق نفسها في الإعلانات التي تنشرها في الصحافة والتلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الأخرى، وفي المعارض والمؤتمرات المحلية والدولية ولكن الصورة الوردية التي ترسمها لنفسها في هذه المواقع لا تلبث أن تتهاوى بمجرد زيارة إلى مقرها لتكتشف أن الشعارات البراقة التي تبهرج بها نفسها لا تمت إلى الواقع بصلة.

(6)

خدمات البنوك والاتصالات والتأمين والسياحة والسفر والتمويل وعشرات الخدمات الأخرى لا يمكنها كسب ثقة الزبائن من خلال الترويح فقط وإنما لابد من وجود سياسة جودة تحاسب بها الشركة نفسها قبل أن يحاسبها الزبائن، وكم نتمنى أن نجد سياسة الجودة هذه معلقة في مكاتب مسؤولي الشركات وصالات انتظار الزبائن وأن تجد الرسائل والاقتراحات التي يقدمها الزبائن في صناديق الاقتراحات أو عبر البريد الإلكتروني طريقها للتنفيذ لا أن تبقى مجرد حبر على ورق. الترويج الحقيقي يبدأ من هنا.