ذاكرة.. المكتفي بالليل

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢١/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
ذاكرة.. المكتفي بالليل

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

اعتدت تخصيص مساحة هنا، مرة كل أسبوع، لما يمكن أن أنجزه من قراءات تتنقل بين الروايات ودواوين الشعر وسائر الكتب على تعددها، وقد فاضت الأرفف بما عليها من تراكــم الإصدارات وبقينا أمام الوقت عاجزين إلا عــــن اللهاث، لعلنا نبلغ ولو طينا على ضفة النهر السائر بالمعرفة.

أنجـــزت «مؤخـــرا» قراءة كتابين عمانيين للصديقين الخطاب المزروعي وحسن المطروشي، رواية ذاكرة الكورفيدا، وديوان مكتفياً بالليل، وحقهما علينا، ككاتبين يغرفان من نبع هذه الأرض، الكتابة عنهما احتفاء بما قدما، كما نحتفي بآخرين.
الرواية صغيرة على مستوى الشكل، لكنها كبيرة في مضمونها، وابتعدت عن الثرثرة و»الحشو» الفائض الذي تمتلئ به روايات كثيرة بعضها محسوب على أسماء تصيبك بالملل لفرط ما تمضي في تفاصيل هامشية تغرق عشرات الصفحات فيها، ليقال إن الكاتب لديه النفس الطويل في الكتابة، لكن ذاكرة «الخطّاب» ركّزت على الفكرة المحورية، تساقط الذاكرة وانجرافها في مشهد عبثي، يعيشه إنسان هذا العصر وهو يواجه ما لا يحتمله من ضغوط، عمل أدبي ذكي يأخذك بسلاسة، لا يترفّع عليك ولا يقدم لك الفكرة بسذاجة، بل يأخذك إلى التفاصيل المهمة لتستمتع بالقراءة، كون الرواية فعل قراءة ممتعة، لحالات بشرية تعيش حياة ما، وتقدم لك تجاربها وأفكارها وصداماتها.

ديوان «المطروشي» محفز من عتبته الأولى حيث الشاعر المكتفي بالليل، كأنما يقدم «روشتة» القراءة أو «كتالوج» فهم النصوص، لتمضي وأنت مرتعش بالعتمة لتحمل قناديل النصوص وأنت تمضي معها سطرا إثر سطر..

الشاعر/‏‏ الإنسان المطارد من كوابيسه:
من ترى هذا الذي
يهرب باسمي
خارج اسمي وثيابي؟
من ترى هذا الذي
يسرق صوتي ويغني
في غيابي؟
وفي كل نص تجد نفسك مترعاً بهذا المعنى الإنساني المتدفق ليرسمك أنت، كأنك كاتب النص، تلتقي بوساوسك وحيرتك، فتلتقي هذه الذاكرة المهزومة لدى المطروشي مع ذاكرة الكورفيدا لدى الخطاب المزروعي، كأنما هي ذاكرة جيل، يقول في نص آخر:
وأسأل قفّاري الريح: أنلتقي؟
إذا مت وحدي في سرير غيابها
أصورها في دفتر البرق غابة
وأقطع دربي في عيون ذئابها.
إلى أن يقول في آخر سطر من نصوصه:
يعدّ دهرا كي يرى صاحبا
وذات يوم لم يجد دهرا