للمهمومين

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٨/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
للمهمومين

لميس ضيف

دخل المحاضر النفسي على الجمع المحتشد لحضور دورة عن "الضغوط النفسية"، رافعا بين يديه كوب ماء.
"هل تعتقدون أن حمل هذا الكوب صعب"؟ سألهم، فأجمعوا على النفي، فأيا كان الكوب ثقيلا فلن يُثقل حمله على بالغ. وأردف قائلا: "إنه بالفعل خفيف، لا يرهقني حمله ولكن، لو حملته لساعات، أو حملته لليوم كله، فلا شك أن رسغي سيؤلمني، وربما كتفي ورقبتي كذلك".
ما قاله صحيح، ولكن ما علاقة ذلك بمحاضرة عن الضغوط النفسية؟
حسنا.. إن ما نحمله من أفكار حول مشكلاتنا ومخاوفنا وقضايانا العالقة، لا يمكن أن يُثقلنا لو أفردنا له من وقتنا ساعة. ولكن تلك الأفكار كفيلة بكسر عزيمتنا وظهورنا لو اجتررناها اليوم كله، أو أفردنا لها ساعات طويلة ممتدة، فأصبحت محور يومنا، وتلك حقيقة يعرفها كل من يعيش تحت وطأة هم يُثقل كاهله. بيد أن علينا أن نقول للأمانة أننا لا نعرف هماً حلُ بالقلق. ولا مشكلة وجدت مخرجا عبر اجترارها بلا نهاية. واقعا، نصف المشكلات التي تحاصر المرء خارجة عن يده ونطاق سيطرته. وهو فيها بيدق في لوح شطرنج لا لاعب. لذا فإن الصبر موصوف كدواء لبني البشر، لأن بعض المشكلات تحل بالوقت، لا بالعضلات، ولا حتى بحسن الإدارة والتخطيط.
أستحضر وأنا أكتب هذه السطور، قصة صديق اكتشف مرض السرطان الشرس، بعد أن عاث في جسده، ولم يعد للأطباء سبيل لهزيمته. قال له الأطباء بكل وضوح، أن أمامه ثلاثة أشهر، أو أربعة، ومع العناية الطبية المكثفة يمكن تمديد المدة لستة أشهر. وكان ابنه سيتخرج بعد عام وكم كان يأمل أن يشهد هذا اليوم ليطمئن على تمام مهمته في هذه الحياة.
شهد تخرج ابنه، وزواج ابنته الوحيدة. زرته بعد أن علم بمرضه بأكثر من عامين، وكان وقتها على فراش المرض، يقضي أيامه الأخيرة. قلت له مازحة "لقد قال لك الأطباء أنك ستعيش لأشهر معدودة، وقد خدعت الموت عاماً بعد عام، وأخالك ستحبطه هذه المرة أيضا "فأبتسم ابتسامة رقيقة منكرة، فسألته عن سره فقال "أظن أن المرضى يموتون بعد أن يعلموا بقرب موتهم من الخوف، لا من المرض نفسه -قال مبتسما- في اليوم الذي علمت فيه بمرضي خرجت لتناول البقلاوة مع أصدقائي، وضحكت كما لم أضحك منذ سنين. لقد دفنت ذكرى ما قاله الأطباء، ورفضت أن أعيش آخر أيامي حزينا. إن كانت هذه هي النهاية.. فإني أريد لكل يوم فيها أن يتحول لذكرى جميلة لي ولمن حولي".
رحمة الله عليه، فقد كان مثالا للراضيين بحكم الله، لذا رضاه الله وأعطاه ما أراد.
أنها تذكرة منا لكل المثقلين بالهموم.. لا تجعلوا صدوركم زنزانة تعذيب.. واتركوا لخالقكم أمر تدبير ما يخرج عن أيديكم ونطاق قدرتكم.