مآل الصراع في اليمن ومخاطره

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠١/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
مآل الصراع في اليمن ومخاطره

علي ناجي الرعوي

لم يعد السؤال: هل وصل الصراع في اليمن إلى أفق مسدود؟ يسمح في ظل ما يشهده هذا البلد من تطورات دراماتيكية بطرح سؤال مختلف: متى ستتوقف الحرب على أرض اليمن؟ إذ يبدو من مؤشرات الأحداث الميدانية والجبهات المفتوحة في أكثر من موقع وساحة والحشود العسكرية المتزايدة على هذه الجبهات أن فرص الحل تتضاءل كثيراً وأن القوى السياسية والعسكرية الداخلية بمختلف مكوناتها وأنواعها لم تقتنع حتى الآن رغم كل الدمار والخراب والعبث الذي أحدثته بأفضلية الحل السياسي على الحسم العسكري وأن هذه القناعة لم تترسخ لديها طالما وجدت من يؤيدها ويدعمها من القوى الإقليمية والدولية على الاستمرار بالتشبث بالخيار العسكري تارة بحجة صعوبة نجاح الحل السياسي الذي تبلور في مسار مسقط ومبادرة كيري وتدخلات وزراء خارجية (الرباعية) وتارة أخرى بحجة أن أولويات الحل ستضع جميع الأطراف في سلة واحدة وهذا ما قد يتقاطع مع أجندات هذا الطرف أو ذاك أو يتصادم مع الأطراف الخارجية المنخرطة في الصراع.

أفهم بعض ما يجري في الغرف المغلقة بين القوى المتنازعة في اليمن وكذا ما يجري على المستوى الدولي من سباق لتعزيز مواقع النفوذ في اليمن والمنطقة ولعل ما يجري هذه الأيام كثير جداً بعد أن أصبحت المنطقة العربية ساحة مناسبة لتنافس دولي جديد أو ساحة مستباحة لتقسيم المقسمات وأفهم أيضاً أن لا أحد مهتم من هؤلاء الغرباء المتنافسين بأخذ رأينا أو حريص على إيقاف نزيف الدم الذي يراق ويهدر في اليمن أو في غيره من البلدان العربية كسوريا وليبيا والعراق إلا أن الشيء الذي لم أفهمه وسط هذه الملهاة هو موقف مؤسسة الجامعة العربية حيال الصراع والحرب الدامية والعبثية الناشبة في اليمن منذ مارس 2015 إذ يلاحظ أن كل العبارات السياسية والقانونية والإنسانية قد أخفقت في تليين ذلك الموقف ودفع الجامعة كمؤسسة عربية إلى التدخل وبذل مساعيها الخيرة من أجل إنقاذ ملايين اليمنيين الذين يموتون يوميا بالعشرات أو بالمئات إما بفعل الحرب المتصاعدة أو الحصار المروع وقد يكون من المستغرب أن نرى الجامعة تختزل دورها في هذه المأساة بإصدار البيانات التي تنحو إلى إدانة أحد أطراف الصراع وتأييد الطرف الآخر بما يحمل رسالة تقول إن هناك رغبة عارمة لدى الجامعة العربية في إطالة أمد الصراع في اليمن وشرعنه الانقسام الحاصل بين أطرافه بصرف النظر عن النتائج المترتبة عن هذا الموقف السلبي.

لا أتصور البتة أن هناك مسطرة تقيس بها الجامعة العربية عمق الصراعات المحتدمة في العديد من البلدان العربية، ولا أخال أن لدى أمينها العام والطاقم العامل معه رؤية واضحة تشي إلى أن هذا الصراع يستحق الحل السياسي وذاك وجب التعامل معه بالحسم العسكري ولا أعتقد في ذات الوقت أن الجامعة العربية تتحرك في إطار مجموعة من الثوابت تحدد بموجبها أولويات تحركها فكم من الأزمات الساخنة غضت الجامعة الطرف عنها حتى استفحلت وأصبحت عصية على الحل ولا يزال الصومال مثالا أمامنا.
وإذا أردنا المزيد من التوضيح فلنتابع الطريقة التي تعاملت بها الجامعة العربية مع الأزمة اليمنية والأزمة السورية على سبيل المثال ففي حين ظل موقف الجامعة يرفض الحسم العسكري في سوريا ويميل ناحية الحل السياسي في هذا البلد، فإن هذا الموقف كان مختلفاً تماماً فقد منح الضوء الأخضر للتدخل العسكري في اليمن انطلاقا من قمة شرم الشيخ وانتهاء بتأييده غير المحدود (لعاصفة الحزم) العسكرية التي يشنها التحالف العربي أي أن الجامعة التي تستميت بالدفاع عن الحل السياسي في سوريا هي نفسها التي تفضل الحسم العسكري في اليمن وهي من المفارقات الأساسية المتعارف عليها في النظام العربي الذي ليس له موقف واضح للتعامل مع الأزمات المتفجرة في البلدان العربية يمكن القياس عليه وتطبيقه على الأزمات المختلفة مما أسهم في تدويل الأزمات العربية وإخضاعها لدوافع وتناقضات توازنات القوى الدولية التي تسعى لاستغلال الفوضى والصراعات في المنطقة لتوسيع نفوذها وهيمنتها على أقطار هذه الأمة.
المتابع للتفاعلات والتطورات التي تشهدها الساحة اليمنية سيجد أن عوامل الانقسام في داخلها تتسع يوما بعد يوم فهناك اليوم انقسام سياسي وعسكري يتعمق باتجاه عمودي عبر إصرار أطراف الصراع على مأسسة هذا الانقسام فخلال اليومين الفائتين تم تشكيل حكومة إنقاذ في صنعاء مناصفة بين حركة الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام وحلفائهما، وفي المقابل فإن الطرف الآخر والمتمثل بحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي هو من لا يزال يتمسك بموقفه الرافض لخارطة الطريق الأممية الداعية إلى العودة للحوار والحل السياسي على اعتبار أن هذه الخارطة تقفز على نصوص القرار الأممي 2216 وبالتالي فإن هذا الطرف يرى في الخارطة الأممية بمحدداتها الحالية أبعد من أن تفضي إلى حل سياسي مستدام وأن البديل هو الحسم العسكري حتى وإن بدت معطيات هذا الخيار شائكة ومؤلمة وغير مضمونة، وبسبب هذه التطورات فقد أصبح هناك جناحان يتنازعان شرعية تمثيل الشعب اليمني ولكل جناح منهما مؤسساته من جيش وأمن وإدارة وسلطات وميدان يبسط فيه نفوذه لتبرز إلى الواجهة تعقيدات جديدة أمام أية محاولة أو مساعي لإيجاد أرضية حقيقية لاتفاق الفرقاء على مسار الانتقال من دوامة الحرب والاقتتال إلى فضاءات الحوار والمصالحة الوطنية والسلام.
لا يمكن تفسير الإعلان عن حكومة إنقاذ في صنعاء موازية لحكومة الرئيس هادي التي تتوزع ما بين الداخل والخارج سوى أنه الذي يعبر عن جوهر ذلك الانقسام العمودي الذي أخذ يتجذر بصورة أكبر بين أطراف الصراع واستعصاء الحل السياسي في إيجاد مداخيل توافقية تدفع باليمن إلى بر الأمان ولا شك أن السبب في تباعد فرص الحل وإن كان يتغذى من الانقسام السياسي والعسكري بين القوى الداخلية اليمنية فإنه الذي يستمد ديمومته من الصراعات في الإقليم والتي برهنت الأحداث في اليمن من أنها التي تلقي بظلالها على مجريات الحرب في هذا البلد وهو ما يجعل الكثير منا يعتقد أن الصراع العسكري سيكون هو الأساس في المنظور القريب على الأقل حتى وإن بدا الحسم العسكري لصالح أي طرف غير ممكن لشدة تعقيدات الجغرافيا التي تدور فيها المواجهات والمعارك وقد بينت الأحداث خلال الأشهر الفائتة صعوبة إنهاء هذا الصراع عن طريق القوة وأنه ليس أمام أطراف النزاع في اليمن سوى الحل السياسي التوافقي الذي يضمن مصالح جميع الأفرقاء.

كاتب يمني