صاحب عمل وليس صاحب شركة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٤/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:١٥ ص
صاحب عمل وليس صاحب شركة

على بن راشد المطاعني

في خضم اهتمام الدولة، بريادة الأعمال وتشجيع الكوادر الوطنية على ممارسة العمل الحر، لما يمثله من خيار مستقبلي للاقتصاد الوطني والبلاد بشكل عام، ‏فإن الاهتمام يجب أن ينصب على تشجيع أصحاب العمل من المواطنين وليس أصحاب الشركات، لأن هؤلاء -أي أصحاب الشركات- ليس بالضرورة هم أصحابها الحقيقيون وإنما يتسترون وراء لافتات كتب عليها الشركة الفلانية، في حين أنها ملك للوافد للأسف، وليس للمواطن إلا النزر اليسير من الفتات الذي يتصدق به الوافد، كان الأخير هو صاحب العمل والمواطن عامل معه، وهو ما يجب أن تدركه الجهات الحكومية والشركات الفاعلة في البلاد بتشجيع أصحاب الأعمال من المواطنين القائمين على أعمالهم بأنفسهم، فهؤلاء يستحقون التشجيع والمساندة التي توفر على الدولة مئات آلاف من الريالات، بل ويضيفون قيمة مضافة عالية بتوظيف أبناء جلدتهم، وليس لم عائلات أجنبية في البلاد، الأمر الذي يجب أن يكون واضحا لدى الجميع إذا أردنا لريادة الأعمال أن تترعرع و تنهض في البلاد، وإلا فإننا كما يقال نضحك على أنفسنا ليس أكثر.

فاليوم هناك نوعان من الشركات منها ما تدار بوافد تحت اسم عماني، ومنها ما تدار بعماني يقوم على رأس العمل بها، ويناضل من أجل نموها وتطورها، وسط منافسة غير متكافئة من الوافدين ومحاربة واضحة من جهاتنا ومجتمعنا الذي يتشدق بتشجيع العمانيين في حين عندما يحين وقت الشراء يذهب للوافد، فمن هو أولى بأن نقف معه، هذا ما يجب أن نحدده، إذا أردنا الفلاح لأبنائنا في ريادة الأعمال في السلطنة، فقوة المجتمع من جناحيه الحكومي والأهلي هو الدافع الأكبر لنجاح الشباب في الأعمال الحرة، وبدونهما فإن الفشل سيكون مصير كل التجارب الوطنية التي تسعى إلى إنجاح المبادرات الوطنية وتمكين أبنائنا من العمل الحر.

كنت شاهداً على المبادرات الحكومية مند أكثر من عقدين من الزمان، أنفقت الحكومة الكثير والكثير من الأموال على ريادة الأعمال، ومن مبادرة إلى أخرى تتلمس طرق النجاح لهؤلاء الشباب، ولكن القليل حالفه النجاح، لأنه ليس المهم القرض، بقدر أهمية عقد العمل أو الشراء من المواطن لتمكينه من مشروعه ومن السوق، فالأساس في العمل هو شرايين الشراء التي تتدفق يوميا أو شهريا أو سنويا على هذه المؤسسات الشابة، وإلا فإن الفشل مصيرها، فسوق عمل تعتريه الكثير من التحديات والصعوبات التي تخيم عليه القوى العاملة الوافدة بكل ممارساتها المتوغلة في سوق العمل، وإساليبها الرديئة في التعامل، يجب أن نحد منها بالالتفاف على الشباب القادمين الذين يلتمسون منا أن نقف بجانبهم ونشتري منهم، نعزز مبادراتهم وقدراتهم، فهم جزء منا.
كتبت قبل فترة ولعدة مرات عن تجربة أربع أخوات. جامعيات يدرن مشروع «ميسان» في مجال التمور، وذكرت بأن الأخوات يكلفن الدولة مليون ريال، لو كن موظفات لفترة 20 عاما، وهي الحد الأدنى لعمر التقاعد، على اعتبار بأن رواتبهن كل واحد ألف ريال، وبالشهر 4 آلاف ريال، في السنة 48 ألف ريال وفي 20 عاما تكون رواتبهن 960 ألف ريال، مع الإجازات والتدريب وغيرها تكون التكلفة لامست مليون ريال، لكن السؤال ماذا قدمنا لمثل هذه النماذج، هل ما يوازي مليون أو نصفه أو ربعه، هل قدمنا مناقصات وأعمال توازي عشر ما يمكن أن يحصلن عليه من الحكومة لو كنا موظفات، قس على ذلك حجم ما توفره ريادة الأعمال من مبالغ على الدولة، وناهيك عن القيمة المضافة العالية لبعض الأعمال الريادية التي تسهم في توظيف غيرها واستغلال المواد الخام المحلية والابتكار وغيره، وهنا تكمن أهمية ريادة الأعمال التي تحتاج إلى هيكلية دعم وحماية وخطط واضحة تشمل كافة أجهزة الدولة والمجتمع في تحفيزها.
المؤسسات القائمة على ريادة الأعمال إمكانياتها ضئيلة وقواها بدأت تتهاوى أمام عدم تعاون الجهات الحكومية الأخرى في تنفيذ بعض قرارات الندوة التي عقدت في سيح الشامخات بولاية بهلاء، وأهمها تخصيص 10 بالمائة من الأعمال والعقود للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وإيجاد أقسام للريادة الأعمال في وزاراتنا، وتفضيل رواد الأعمال على غيرهم من أصحاب المؤسسات الوافدين، بل بأن هؤلاء يستولون على الأعمال على مرأى ومسمع رواد الأعمال ليس لكفاءتهم وجودة أعمالهم، وإنما يقدمون تحت الطاولة، ما يسيل لعاب العاملين في المشتريات والعقود وغيرهم من يزكي أعمالهم ويحلل مناقصاتهم بأنها الأفضل.
تشجيع ريادة الأعمال في السلطنة ليست بهرجة إعلامية أو زوابع بدون أي قيمة، بقدر أنها يجب أن تكون منهجية عمل لدى كل الوزارات والهيئات والمسؤولين ووفق قاعدة بيانات توضح بدقة متناهية الأعمال المسندة من كل جهة بالتحديد لرواد الأعمال في كل قطاعات الدولة المدنية والعسكرية وكل الولايات.
ما ألمسه بأن ليس هناك جدية لدى الدولة كلها بكافة أجهزتها والمجتمع أيضاً على تشجيع ريادة الأعمال بشكل فعلي ومنظم يحدث فرقاً في ممارسة الأعمال الحرة لدى أبنائنا، إلا الجهات المسؤولة التي تحارب على عدة جبهات، الكل يصدها من جانب، ويتناساها من جانب آخر، ويتغافل عنها مرات، ولا يعبأ بدورها، فهذه الآليات وهذه الأساليب لا تصنع ريادة أعمال في البلاد، فنحن نضحك على أنفسنا إذا استمرينا في هذا المنهاج.
طبعا نحن لا نقول. لا تتدخل عوامل السوق والمنافسة بين الأعمال المتكافئة، ولا نريد أن لا يتعب ويكدح الشباب في التحصيل، والعمل الحر، لكن. المنافسة تكون متكافئة وبين رواد الأعمال أنفسهم، ‏التفضيل وارد في كل دول العالم، وفرض نسب على غير الموجود في كل البلدان، فنحن لا نخترع شئيا غير موجود أو نطالب باستثناءات نوعية، بقدر تحفيز وتشجيع فعل وليس صوري كما هو موجود الآن.
نأمل أن نغير فلسفة العمل في تشجيع ريادة الأعمال وهيكلة مفهوم التشجيع لرواد الأعمال وليس أصحاب الشركات لما ورد ذكره. الله وراء القصد.