من يحكم اليمن؟!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٨/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٥:٤١ ص
من يحكم اليمن؟!

علي ناجي الرعوي

على مدى أيام الأسبوع الماضي رسخت حكومة الإنقاذ المشكلة مناصفة بين المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحركة أنصار الله، سلطتها في صنعاء، لكنها عجزت عن الحصول على أي تأييد إقليمي أو دولي، فيما رفضت حكومة الرئيس هادي المعترف بها دولياً والمدعومة من التحالف العربي والتي تتوزع بين عدن عاصمة الجنوب ومأرب شرق اليمن والخارج، قيام حكومة موازية لها في صنعاء، معتبرة وجود مثل هذه الحكومة امتداداُ للانقلاب الذي جرى عليها في 21 سبتمبر 2014م لتبقى البلاد رهينة الانقسامات ودوامة الحرب والصراع العسكري الذي يسهم في تصاعد خطر الانهيار الاقتصادي والأمني وتفكك النسيج الاجتماعي وخروج الوضع في اليمن عن السيطرة.

بات واضحاً أن المشكلة اليمنية مشكلة معقدة وتختلف عما يجري في سوريا والعراق وليبيا.. تختلف في بعدها السياسي والجغرافي والعسكري وتختلف أيضا من حيث عدد اللاعبين الذين يمسكون بمفاصلها، فاليمن بيئة منخفضة الثمن في نظر العالم وفي نظر الإقليم، وبفعل هذه القيمة المنخفضة فهناك من وجدها ساحة مناسبة لتجريب السلاح وآخر لخوض مباريات صفرية مع منافسيه وثالث ميداناً للمقايضة ورابع لتأكيد أحقيته في قيادة الإقليم سيما وأن جميع هذه الأطراف تتفق على أنه لا مقارنة بين ما تصرفه على حلفائها في سوريا أو ليبيا أو أية ساحة أخرى في المنطقة وما تصرفه في اليمن، ونتيجة انخفاض الثمن في اليمن فلا أحد من أطراف النزاع في الإقليم يخوض معركته في هذا البلد ضمن مشاريع واضحة المعالم أو يقيس جدوى هذه المعركة انطلاقا من مردودها المحتمل.

وهذا يعني ببساطة شديدة أن تلك الأطراف لا تشعر بأي حرج مما تقوم به في اليمن ولا ترى في التلاعب بعامل الزمن مسألة تحتاج للمراجعة، مما جعل من إطالة أمد الحرب والصراع في اليمن يندرج في إطار مسعى ومشروع ضمني للبعض يسير باتجاه محاولة فرض أمر واقع على اليمنيين يتراوح بين القبول بصيغة (الفيدرالية) وإعادة تقسيم البلاد على شكل إقاليم تتمتع بالاستقلالية التامة عن مركز الدولة، فضلاً عن حق تقرير المصير إذا ما أرادت الانفصال وفك الارتباط عن ذلك المركز وبين التسليم ببدائل التشظي والتفتت إلى دويلات وكنتونات منفصلة سياسة واقتصادا ومجتمعا وهوية، وكأن المستخدمين لهذه اللغة تعززت لديهم القناعة بعدم جدوى أي خيار يسمح لليمنيين في العيش ضمن نطاق دولة واحدة وأن الخيار الوظيفي المتاح أمامهم هو الانخراط في عدة كيانات أو الاستمرار في نزاعاتهم وصراعاتهم وحروبهم المتفاقمة لفترات مفتوحة وغير منظورة وذلك كفيل في استخدامهم كلما اقتضت الحاجة كما هو الحال في الحرب الراهنة التي أفرزت جماعات ومليشيات عسكرية صارت تتكسب من وراء الحرب وتعمل على إدامتها من أجل الحفاظ على ما تجنيه من أرباح من هذه الحرب التي تتحرك بكل قوة لتدمير كل شيء في هذا البلد. ما هو باد في التسارع العنيف لمراحل الصراع المتفجر في اليمن يفيد بوضوح أن حسابات معظم الأطراف الإقليمية المنخرطة في هذا الصراع باتت تتجاوز حدود إعادة ترتيب توازن القوى على الساحة اليمنية إلى الحسابات المتصلة بالخرائط التي ستتشكل في أعقاب توافق القوى الإقليمية والدولية على إنهاء هذا الصراع بعد أن أيقن اللاعبون أن هذا البلد في طريقه إلى الانهيار. وأمام هذه الحالة الغامضة والمتشابكة يتزايد الحديث في أوساط اليمنيين عن احتمالات التقسيم إلى درجة صار هناك أكثر من طرف يضع في حساباته انفصال الجنوب عن الشمال قريباً بعد أن أمكن لبعض الجماعات إعادة تكوين المشهد في الجنوب على أساس من الفرز السكاني وبعد أن أصبح هناك أيضا قبول شعبي لاحتمالية فكاك الجنوب لدى الكثير من الشماليين ونخبهم، ومع هذا يبقى من الثابت أن نجاح مثل هذا المشروع مرهون بتوفر إجماع داخلي وراع إقليمي وموافقة القوى العظمى المؤثرة في القرار الدولي على ذلك الانفصال تماماً كما جرى في السودان. وانطلاقاً من هنا يبدو أن فرقاء الأزمة اليمنية يخسرون حاضرهم بعدما خسروا ماضيهم ويغتالون مستقبل أجيالهم القادمة بمجرد أن أدمنوا الدوران حول مشكلتهم والمأساة التي تجري اليوم في بلادهم، لذلك لم نر أو نسمع منهم أي استعداد للتوقف عن حرق المراحل والدخول في مصالحة وطنية تضع الإصبع على الجراح وتدفع نحو إغلاق الأبواب أمام من يريدون طمس تاريخ بلادهم عن طريق سيناريو التقسيم والتفتيت الذي أصبحت خطواته تسير في طريق مجهول. اليمنيون اليوم يتباكون على بلاد تتلاشى تحت حرائق الصراع على السلطة لكنهم الذين لم يدركوا بعد أنهم وحدهم فقط من بأيديهم إنقاذ بلادهم من هذا الانحدار القسري رغم إحساسنا بأن الولاءات غير الوطنية أصبحت قيودا يصعب خرقها وتجاوزها وتحطيمها في بلد يمتلئ برجال السياسة ورجال السلطة لكن لا يوجد فيه إلا القليل من رجال الدولة.