هل مستقبلنا الاقتصادي خلفنا؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٥/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
هل مستقبلنا الاقتصادي خلفنا؟

جويل موكر

نظرا لأن الاقتصاد العالمي لم يستعد عافيته بعد منذ الأزمة الاقتصادية سنة 2008 تزداد المخاوف المتعلقة بالمستقبل. لقد أثار زميلي في جامعة نورثوسترن روبرت ج جوردن اهتمام العديد من الاقتصاديين عندما جادل في كتابه الأخير صعود وسقوط النمو الأمريكي بأن الابتكارات الضخمة المعززة للإنتاجية في المائة والخمسين سنة الفائتة لا يمكن مضاهاتها ولو صح ذلك فإن الاقتصادات المتقدمة يجب أن تتوقع نمو بطيء وركود في السنوات المقبلة ولكن هل المستقبل سيكون كئيبا لهذه الدرجة؟

ربما الإجابة هي لا، ففي واقع الأمر فإن التشاؤم قد سيطر على توقعات الاقتصاديين لقرون، وفي سنة 1830 ذكر المؤرخ البريطاني التقدمي توماس ماكاولي «في كل عصر يدرك الجميع أنه حتى مجيء عصرهم فإن التحسن التقدمي كان يحدث على الدوام ومع ذلك لا يعتقد أحد بأنه سيكون هناك تحسن في الجيل القادم» وتساءل لماذا لا يتوقع الناس «أي شيء سوى الانحدار؟». ولقد صدقت وجهة نظر ماكاولي بعد ذلك بفترة قصيرة عندما دخل العالم في عصر السكك الحديدية وبعد ذلك حصل التقدم التحويلي في الصلب والكيماويات والكهرباء والهندسة. وعندما يتعلق الأمر بمستقبلنا التقني، سأتوقع نتيجة مماثلة وسأذهب بعيداً لدرجة القول بأننا لم نر شيئاً بعد. سوف يخلق التقدم التقني ريحا مواتية قوية جدا ستهب على الاقتصادات الأكثر تقدما في العالم.
إن تفاؤلي مبني ليس على إيمان عام بالمستقبل ولكن على الطريقة التي بموجبها يدعم العلم (أو «المعرفة المقترحة») والتقنية «المعرفة التقريرية» بعضهما البعض ومثلما يمكن للاختراقات العلمية تسهيل الابتكار التقني فإن التقدم التقني يعمل على تمكين الاكتشاف العلمي والذي يؤدي للمزيد من التغير التقني أي بعبارة أخرى هناك حلقة مفرغة إيجابية بين التقدم العلمي والتقني. وإن تاريخ التقنية مليء بالأمثلة على هذه الحلقة المفرغة الإيجابية فلقد حصلت الثورة العلمية في القرن السابع عشر جزئياً بسبب الأدوات الجديدة المتقدمة تقنياً مثل التلسكوبات ومقاييس الضغط الجوي ومضخات التفريغ والمرء لا يستطيع مناقشة نشوء نظرية الجراثيم سنة 1870 بدون الإشارة إلى التحسينات السابقة في الميكروسكوب، كما إن تقنيات علم البلورات بالأشعة السينية التي استخدمها روزالند فرانكلن كانت حيوية لاكتشاف تركيب الحمض النووي بالإضافة إلى اكتشافات أدت لأكثر من 20 جائزة نوبل.
إن الأدوات المتوفرة للعلم اليوم تتضمن نسخاً جديدة من الأدوات القديمة، والتي كان لا يمكن تصورها حتى قبل ربع قرن فلقد تم إطلاق التلسكوبات في الفضاء وربطها بأجهزة الكمبيوتر التي تعمل بالطاقة العالية ومكيفة حسب البصريات من أجل أن تكشف عالماً مختلفاً تماماً من العالم الذي تخليه البشر في الماضي وفي سنة 2014 تم منح الأشخاص الذين بنوا ميكروسكوب بيتزيج-هيل جائزة نوبل بسبب تغلبهم على عقبة كانت تعتبر في الماضي عقبة لا تقهر وهي تحويل الميكروسكوب البصري إلى البعد الخاص بالنانو. ولو لم يكن ذلك كافياً لدحض التشاؤم التقني فأنظر للأدوات الثورية التي ظهرت في السنوات الأخيرة، وهي أجهزة لم يكن الإنسان يحلم بها في العقود القليلة الفائتة فلو بدأنا بالكمبيوتر لوجدنا أن الاقتصاديين بذلوا جهوداً جبارة لتقييم تأثير الكمبيوتر على إنتاج البضائع والخدمات وقياس مساهمته في الإنتاجية ولكن أي من تلك الأساليب لا يمكنها أن حصر الفوائد والفرص التي لا تعد ولا تحصى والتي خلقها الكمبيوتر من أجل البحث العلمي.
لا يوجد مختبر في العالم لا يعتمد على الكمبيوتر، فمصطلحات مثل إن سيلكو قد أخذت مكانها إلى جانب إن فيفو وإن فيرتو في العمل التجريبي ودخلت مجالات جديدة تماماً، مثل «الفيزياء الحاسوبية» و»الأحياء الحاسوبية» بشكل مفاجئ وطبقاً لقانون مور فإن التقدم الخاص في الحوسبة العلمية سيستمر في الزيادة لسنوات عديدة قادمة لأسباب ليس أقلها ظهور الحوسبة الكمية.
إن من الأدوات الجديدة الأخرى الليزر وعندما ظهر الليزر لأول مرة كان عبارة عن ابتكار يبحث عن تطبيق واليوم أصبح الليزر منتشراً في كل مكان مثل الكمبيوتر ويستخدم في الاستخدامات اليومية الاعتيادية، وذلك من مسح الوثائق لطب العيون. وإن نطاق المجالات البحثية التي تعتمد اليوم على الليزر هو نطاق عريض جداً يضم الأحياء والكيمياء وعلم الجينات وعلم الفلك. إن التحليل الطيفي الذي يعمل بالليزر ضروري من أجل تحليل البروتين والذي تعتمد عليه الكثير من الأبحاث في مجال الكيمياء الحيوية الجزئية ومؤخراً ساهم الليزر في تأكيد وجود موجات الجاذبية وهي أحد أسس علم الفيزياء. وهناك ابتكار تقني آخر يعتبر بمثابة نقطة تحول علمية وهذا الابتكار يتمثل في أداة الهندسة الوراثية كريسبر كاس 9 حيث أصبح تسلسل العوامل الوراثية عملية سريعة ورخيصة نسبياً، حيث انخفضت تكلفتها من 10 ملايين دولار لكل عامل وراثي سنة 2007 لأقل من ألف دولار اليوم.
إن كريسبر كاس 9 يأخذ هذه التقنية لمستوى ثوري جديد بحق حيث إنه يمكن العلماء من هندسة العوامل الوراثية البشرية والتلاعب بها وبينما من الممكن أن تجعل هذه الفكرة بعض الأشخاص يتراجعون قليلا فإن التطبيقات المفيدة المحتملة لهذه التقنية مثل تمكين المحاصيل الضرورية من التأقلم مع التغير المناخي وملوحة المياه، ستكون كبيرة للغاية.

أستاذ علوم الاقتصاد والتاريخ في جامعة نورث ويسترن