من هو الشيخ العلامة سعيد الخروصي - رحمه الله - ؟

بلادنا الأحد ٠١/يناير/٢٠١٧ ٢٢:٠٤ م
من هو الشيخ العلامة سعيد الخروصي - رحمه الله - ؟

مسقط - سعيد الهاشمي
قال رئيس قسم الدراسات والبحوث في مكتب الإفتاء الشيخ أفلح بن أحمد الخليلي لـ "الشبيبة": إن الشيخ العلامة سعيد بن خلف الخروصي -رحمه الله تعالى- رجل من أهل العلم والصلاح والتقوى والجد والاجتهاد، حيث كان له دور بارز في تعليم الناس ما يتعلق بأمور دينهم، فشارك في التأليف، وكان يجيب الناس عن ما أشكل عليهم في أمر دينهم ودنياهم، وكان ذا معرفة دقيقة بالأعراف العمانية التي كانت سائدة في العهود الفائتة، ومدركا للمصطلحات، ولديه مهارة علمية وافرة في الجوانب الشرعية خاصة في جانب الفقه والأدب، ومؤلفاته خير شاهد على ذلك، وشارك في المجال القضائي ثم قضى آخر حياته في الإفتاء، وعم نفع فتاواه كثيرا من الناس، فقد كانت ترده أسئلة كثيرة فيجيب عليها، ولو جمعت جميع فتاواه لبلغت مجلدات طويلة، قد كان -رحمه الله تعالى- يجمع بين الفتوى المكتوبة والشفهية.
وحول سؤال "الشبيبة" إذا ما كانت هناك مواقف جمعته مع العلامة الشيخ سعيد الخروصي أجاب الشيخ أفلح الخليلي: هو بالنسبة لي بمثابة الوالد فقد كنتُ أذهب إليه باستمرار في مكتبه وأسأله عن ما أشكل عليّ، وكنا في قسم الفتاوى حينما تشكل علينا المسائل العلمية نذهب إليه -رحمه الله تعالى- ليبين لنا الحكم الشرعي في تلك المسائل، وقد كان والدًا عطوفًا، حنونًا، حسن التعامل، وكنا نزوره في بيته ونسأله عما أشكل علينا وفي أيامه الأخيرة زرته قبل أسبوعين وكان ذلك آخر لقاء بيننا.

نسبه ومولده
الشيخ العلامة سعيد الخروصي هو الفقيه الأديب سعيد بن خلف بن محمد بن نصير بن خلفان بن محمد بن خلف بن محمد بن مبارك الخروصي، ولد في يوم السبت الثامن من صفر عام 1344هـ/ 1925م بولاية نخل.

نشأته
نشأ في مسقط رأسه (نخل) بين والدَين كريمين، يحوطه حنانهما، وتكتنفه عنايتهما، يتقلب معهما في رغد العيش تحت كنف جدِّه الشيخ محمد بن نصير الذي كان أصدق صديق للإمام سالم بن راشد الخروصي.
وكان مجلس جدِّه ملتقى للعلماء والأدباء، ممَّا جعل الاهتمام به لطلب المجد والتحلي بحلي العلم والفضل موازياً لهذه البيئة الطيِّبة التي نشأ فيها.

طلبه للعلم
درس القرآن الكريم على يد الأستاذ خلفان بن سليمان اليعربي، وعلى يد الشيخ حمود بن زاهر الكندي، وختم القرآن وهو لا يتجاوز العاشرة من عمره.
ثم درس النحو على يد الشيخ حمود بن زاهر الكندي، وقرأ عليه ملحة الإعراب للحريري، ثم انكبَّ على دراسة ألفيَّة ابن مالك بشرح ابن عقيل.
ولَمَّا كان المجد والارتقاء مطمحه وغايته، ونظراً لما أظهره من ذكاء وقَّاد، ارتأى الذهاب إلى نزوى، والتي كانت تَغصُّ آنذاك بالعلماء والمتعلمين، برئاسة الإمام الرضيِّ محمد بن عبدالله الخليلي، ليحضر دروسه ويغترف من علمه الزاخر في شتى فنون العلم، فكانت رحلته الأولى عام 1361هـ بصحبة زميله الشيخ سعيد بن محمد الكندي، واستفاد فيها من الشيخ سالم بن سيف البوسعيدي، ثم عاد إلى نخل مواصلاً دراسته، ومُكبًّا على طلب العلم، إلاَّ أنَّ الحنين إلى نزوى ظلَّ مصاحباً له، فعاد إليها سنة 1363هـ بصحبة أخيه سليمان بن خلف، فلازم الشيخ سعود بن سليمان الكندي، والشيخ سليمان بن سالم الكندي.
وبعد أنْ أصبح زاده وفيرا من العلم والمعرفة عاد إلى نخل، وهناك أصبح أكثر قسوة على نفسه في الجِدِّ والتحصيل، ومواصلة الليل بالنهار، وملازماً للشيخ سعيد بن أحمد الكندي، والشيخ إبراهيم بن سيف الكندي، والشيخ محمد بن سعيد الكندي.
وعندما تولَّى العلاَّمة المؤرِّخ الشيخ سالم بن حمود السيابي ولاية وقضاء نخل في الفترة من 1363هـ إلى 1369هـ، لازمه ملازمةً خاصة، فقرأ عليه كتابه: (إرشاد الأنام في الأديان والأحكام)، كما قرأ عليه أرجوزة (أنوار العقول) وشرحها للشيخ نور الدين السالمي، وأخذ عنه علم الفرائض.

المناصب التي تقلدها
أثمر الجِدُّ والتحصيل والجهود المضنية التي بذلها شيخنا الجليل لطلب العلم في مرحلة الصِّبا، مع ما يمتلكه من ذهن وقَّاد وهِمَّة عالية، فاشتهر بعلمه وتقواه وورعه، ممَّا حدا بالسيد أحمد بن إبراهيم البوسعيدي أن يجعله قاضياً على سمائل عام 1381هـ/ 1961م في وقت كانت فيه سمائل تغصُّ بنخبة من العلماء الأجلاَّء، كالشيخ المجتهد خلفان بن جميِّل السيابي، والشيخ حمد بن عبيد السليمي، والشيخ سالم بن حمود السيابي، وغيرهم من رجال العلم والقضاء، وهذا إنْ دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على المكانة المرموقة التي نالها بعلمه وفضله وتقواه، وظلَّ فيها قاضياً على مدى سبعة عشر عاماً، وتمَّ إقراره عليها في عهد صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى عام 1396هـ/ 1976م، حيث تمَّ نقله إلى ولاية الرستاق العريقة، واستمرَّ فيها لمدة ثلاث سنين، ثم نُقل إلى ولاية البريمي سنة 1400هـ/ 1980م.
وفي عام 1402هـ/ 1982م انتقل إلى مسقط ليكون قاضياً في محكمة الاستئناف مع نخبة من العلماء، كالشيخ محمد بن شامس البطاشي، وزميله الشيخ حمد بن عبدالله البوسعيدي، وزميله الشيخ هاشم بن عيسى الطائي.
وفي عام 1407هـ/ 1987م تم تعيينه مساعداً للمفتي العام للسلطنة، وقد صدر مرسوم سلطاني بترقيته إلى درجة وكيل في نفس المنصب، يجيب على أسئلة المستفتين، ويُبصِّرهم بأمور دينهم، ويرشدهم إلى ما فيه الخير، لا يُرى منه إلاَّ الجدُّ ومعالي الأمور، ولا يعامل الناس إلاَّ بالصدق والصفاء، ولا يعرف منه إلاَّ الحق والوفاء، وفي العام 2010 تقدم فضيلة الشيخ برسالة إلى صاحب الجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- طالباً التقاعد وإعفاءه من الوظيفة نظراً لكبره وضعف جسمه، فصدرت الأوامر السامية بإحالته إلى التقاعد بدرجة وزير.

مؤلفاته
لم تصرف كثرة المشاغل وتولَّي القضاء والإفتاء شيخنا الجليل عن التدريس والتأليف، وقد راعى في مؤلفاته جانب الحاجة وتوجه الطلبة، كما يتميز أسلوبه بالاختصار غير المخلّ، والوضوح في العبارة، والسهولة في اللفظ سواء كان نظماً أو نثرا.
أمَّا مؤلفاته فهي: كتاب (قواعد الشرع في نظم كتاب الوضع)، نظم فيه كتاب (الوضع) للشيخ أبي زكريا الجناوني، وكتاب (دليل السالك)، وهو شرح على قصيدته في الحج المسماة: (إحكام المسالك في أحكام المناسك)، ولديه قصيدة بعنوان: (إحكام الصنعة في أحكام الشفعة)، وقد وضع عليها شرحاً مختصرا، وقصيدة بعنوان: (معالم التبيين في الإقرار والبيان واليمين)، وقد وضع عليها شرحاً مختصرا، وكتاب (الدرُّ المنتخب في الفقه والأدب)، في جزأين، جمع فيه أسئلته وأجوبته النظمية، كما ضمنه قصائده في رحلاته وأسفاره وغيرها، وكتاب: (إتحاف الأنام بشرح جوهر النظام)، وهو شرح مختصر على بعض أبواب كتاب (جوهر النظام) للشيخ نور الدين السالمي، وهو في عدة أجزاء.
انتقل الشيخ العلامة سعيد الخروصي إلى جوار ربه يوم الأحد الثاني من ربيع الثاني لعام 1438هـ الأول من يناير لعام 2017م، رحمه الله رحمة واسعة.