مهنة "المنحوسين"

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٢/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
مهنة "المنحوسين"

لميس ضيف
في هذا العالم، خير لك أن تكون لاعب كرة قدم على أن تكون أديباً!!
أن تكون ممثلاً كوميدياً على أن تكون عالم رياضيات. أو مطرب أفراح على أن تكون رساماً أو شاعراً!
لا يقتصر الأمر على الدخل المادي والشهرة فقط، بل المكانة والاستقرار الوظيفي أيضاً.
في الإعلام هناك معادلة شبيهة: كلما زاد عملك خفةً وميوعة، واتجهت للمجالات الترفيهية والفنية والرياضية، كلما ارتفع دخلك وتحسنت ظروف حياتك. فالصحفي الحقيقي، والإعلامي الجاد صاحب الرأي والمبادئ، منبوذ مطرود مرفوض من الفضائيات الناجحة. وإن هو ما عمل في قناة جادة تحكموا في رأيه ووجهوه؛ فإن رفض فمصيره البطالة والتسكع على المقاهي! وعندما يكون الصحفي مصراً على قول الحقيقة؛ قد لا يخسر عمله بل حياته أيضاً، سيما إن كان يعمل في مناطق صراع.
قبل أيام أفاد الاتحاد الدولي للصحفيين الجمعة بأن 93 من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام قتلوا خلال العام 2016.
أما تقرير منظمة مراسلون بلا حدود فوثق اعتقال 348 صحفياً في العالم بينهم صحفيون ومدونون بزيادة قدرها 6 % عن العام الذي يسبقه.
ما لا يقل عن 52 صحفياً اتخذوا كرهينة في 2016.. وتنظيم داعش وحده يحتجز 21 صحفياً في سوريا والعراق. تصوروا أن تركيا، التي كانت تفخر قبل وقت قريب بتعدديتها الإعلامية، صارت بعد الانقلاب الفاشل والغضب الرسمي الهادر سجناً كبيراً للحريات الصحفية وهناك 81 صحفياً في معتقلات تركيا وحدها، متفوقة بذلك على الصين ومصر وإرتيريا. إجمالاً، تشير التقارير إلى أن 46 % من سكان العالم يعيشون في دول تنعدم فيها حرية الصحافة.
كنا نسمع دوماً أن الصحافة "مهنة المتاعب" وهي الآن "مهنة المخاطر" .. فبين الاغتيال الحقيقي عبر قتل الصحفيين بالقنابل أو إطلاق النار، وبين الاغتيال المعنوي بتكبيل حرية الصحفي في نقل الحقيقة كما يراها، أضحت المهنة في خطر حقيقي، إذ ضاقت بأهلها الحقيقيين، وأصبحت مرتعاً للدخلاء الذين يرونها مجرد وظيفة يؤدونها كما يريد رب العمل، أو كما يريد الجمهور، أو كما اتفق!
لقد زادت الخطوط الحمراء على الصحافة والصحفيين. وتحولت لمشانق. كما وانحسر الإعلام الجاد الهادف وانكمش أمام تمدد الإعلام التجاري. بالأمس فقط صُدم الشارع العربي بإغلاق صحيفة السفير بعد أكثر من أربعة عقود من العمل. لهذه الصحيفة مكانة في ذاكرتي الفتية عندما كنت أراها مصفوفة بعناية على طاولة الصحف في نادي العروبة، وأحاول قراءة وفهم ما فيها بأناة وهدوء. ها هي اليوم تودع قراءها بسبب الأزمة المالية كما ادّعت، والحقيقة أن أزمتها تعود لاصطفافها السياسي الذي رآها البعض غير موفق.
رحم الله "السفير" وسقى الله زمناً كانت الصحافة فيه مهنة المفكرين والمناضلين، ولنبتهل أن يكون هناك فتح جديد للصحافة الرصينة والإعلام الحقيقي الذي بدأ يذوي ويتهاوى أمام تغول الإعلام الرديء.