حتى لا نخسر الوقت بعد النفط

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٩/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
حتى لا نخسر الوقت بعد النفط

محمد محمود عثمان

الدول التي ترغب في التقدم وفي البحث عن مكان لها على خريطة العالم المتقدم، ولا سيما الاقتصاديات التي تعتمد على السلع الناضبة مثل النفط، تحتاج إلى آليات جديدة تسهم في تنويع مصادر الدخل، حتى تبدأ الاستعدادات المبكرة لوداع آخر قطرة نفط، خاصة أن نضوب النفط مسألة تؤرق الجميع، إذا صدقت الدراسات التي تتحدث عن نفاذ النفط ولو بشكل جزئي بعد 80 أو 100 سنة، أو أن تصبح تكلفة استخراجه أكبر من القيمة العائدة من بيعه، مما يدعونا لطرح تساؤلات حول مستقبل المنطقة في تلك الظروف، ومن ثم علينا أن نتوقع الأسوأ لكي لا نقع في المحظور ونعيش في الوهم، وعلى الدول أن تستفيد من نجاح وتفوق الشركات والصناعات الحديثة، التي تعتمد إلى حد كبير على مدى تطبيق أساليب وطرق ومهارات الاستفادة القصوى من الوقت، والتغلب على معوقات إدارته، واعتبار ذلك من المفاتح الرئيسية في استراتيجيات الشركات الناجحة، الراغبة في المحافظة على ميزاتها التنافسية، لتعزيز فرص بقائها واستمرارها في الأسواق، ولعل التراجع الحاد في أسعار النفط في العامين الآخرين الذي شغل أكبر حيز من تفكير الحكام والمحكومين الذين تأثروا من ذلك، يكون فرصة جيدة للتدريب على حقبة ما بعد النفط، وليس هناك وقت أكثر مناسبة من وقتنا اليوم قبل أن نخسر الوقت أيضا، وعلينا أخذ الحذر من أن نضوب النفط سيحدث أكثر من مشكة: الأولى على أهل المنطقة أو الدول المصدرة حيث يعتمد الخليج على بيع النفط ولا شيء سواه، فكيف سيكون الوضع بدون مصدر للدخل؟ هل ستتحقق نبوءة وزير الخارجية الأمريكي أو تهديداته أثناء حرب أكتوبر 1973 بأن المنطقة بعد حقبة النفط ستعود لحروب القبائل ولرعي الأغنام والإبل، وأن أمريكا تسعى أو تخطط لذلك وهى جادة في هذا التوجه -من خلال العديد من المحاور التي تتبنى سياسة الاستغناء عن النفط العربي، والتوسع في استخراج النفط الصخري، والبحث عن مصادر للطاقة البديلة. أما الإشكالية الثانية لنضوب النفط تتمثل في حدوث توقف شبه تام للصناعات ووسائل الموصلات والشلل التام في مناحي الحياة، والتخوف من مستقبل مظلم لا يترك لأكثر المتفائلين إلا التشاؤم. والإشكالية الثالثة هي رحيل الغطاء الأمني من القوات الأجنبية عن دول الخليج. ثم الإشكالية الرابعة وهي الزيادة في عدد السكان التي تواكب ذلك، والإشكالية الخامسة هي احتمالات الرجوع للبدائية، وعودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل مرحلة الطفرة النفطية، لذلك لابد من كسب الوقت والتفكير الجدي في مصادر الدخل الأخرى، وخاصة في القطاع الصناعي وتدعيمه بخطط وميزانيات كبيرة، وألا نغفل أهمية إدارة الوقت والاستثمار فيه من أجل العمل وتجويده وزيادة الإنتاجية إذا كنا جادين حقا في تنمية بلادنا واللحاق بركب التقدم الذي تتسارع خطاه في كل لحظة، وعلينا ألا نركن إلى التحسن الطفيف الذي ظهر في خفض العجز في الموازنات العامة لبعض الدول نتيجة تحرك أسعار النفط بعد اتفاق أوبك على خفض الإنتاج، لأن هذا التحسن لم يكن نتيجة لتنويع مصادر الدخل أوزيادة الموارد المالية، لأن الذي كنا نتمناه هو أن تظهر في الموازنات العامة للعام 2017 الآثار الإيجابية المتوقعة من بدء تنفيذ أو تشغيل ولو بعض المشاريع الجاهزة أو الاستثمارات الأجنبية، التي تعني بتنويع مصادر الدخل، وإن كانت ستحتاج إلى المزيد من الوقت، الذي قد يستغرق عدة عقود، حتى نجني ثمارها.