الواقع.. والواقعية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٦ ص
الواقع.. والواقعية

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
malrahby

يقال «ليس من سمع كمن رأى» و»من جرّب الكي لا ينسى مواجعه، ومن رأى السم لا يشقى كمن شربا»، وفق التعبير النزاري، وصولًا إلى قول الشــاعر «لا يعرف النار إلا من يكابدها، ولا الصــبابة إلا من يعانيها».

بدايتي مع «أدبيات» الثقافة العربية الناظرة إلى الواقع بكيفيات متقاربة، فالتجربة «خير برهان»، يستوي في ذلك الإحساس بالألم أو التنعّم بالخيرات، وواقعية العاجز أمام فاتورة الكهرباء وهي تصل إلى مستويات قياسية حيث الصيف ملتهب بقسوة، وفي مواجهة استحقاق الإيجار الشهري.. لا تشبه واقعية صاحب البناية الكائنة فيها تلك الشقة، وهو ينظر إلى فاتورة الكهرباء.
وواقعية الواقف بانتظار سيارة أجرة بعد يوم طويل في شركة، يبدو فيها قزمًا أمام مسؤوليه الآسيويين، تفرض شكلًا آخر للإنسانية يختلف تمامًا عن ما يشعر به العابر في سيارته الفخمة مع هواء التكييف المنعـــش، ورائحــة الرفاهـــية الناطقة في كل شيء.
إلى ماذا أرمي بكل هذه الأمثلة؟!
تتصاعد في الجلسات «عامّها وخاصها» رؤى تفتقد ما أسميه بالواقعية تجاه بعضنا البعض، حيث نرى الآخر من منظور رؤية ذهنية شخصــية، نرســـم له إطارها، ونطالبه بأن يكون بمقاس ذلك الإطار، لا صغيرًا فيظهر دون فخامـــة (البرواز) الأنيق، ولا كبيرًا فينكسر خارج «المتاح» بما يجعلنا نطالــبه بتـصغير نفســه، ولو من باب التواضع.
المسألة ليست «فلسفة» إنما حياة اجتماعية نعيشها يوميًا، ونحتاج فيها إلى فهم «أعمق» لعلاقتنا مع الآخر، بعيدًا عن الصورة الذهنية/‏ النمطية، والمتداولة، على تعدد المستويات، ففيما يفترض (رفض) صورة ترى الناس يعيشون في رفاهية وبحبوحة عيش (من قبل البعض) في المقابل هناك صورة أخرى ترى ذلك الإنسان (مرتاحًا) كونه مسؤولًا (حاليًا أو سابقًا) وتسيل الأموال بين يديه.
في الحياة، قلّة، من يعرفون طعم الراحة كما هو مرسوم في ذهن البشر، حيث المعنى «عسير» على الفهم، فما المعنى المراد من مفردة «راحة»، فيما هناك مستويات مالية ونفسية وصحية ووظيفية لهذه الكلمة، على نسبية الإحساس بها، ونادرًا أن نجدها تسكن «نفسًا» واحدة، فمن أوتي المال حرم من راحة البال حيث يشقى في طلبه وربما لا يعرف النوم إليه سبيلًا كما يحدث للإنسان البسيط، هذا الذي ينام ملء جفنيه (ربما) بينما الثري تتكدس على تفكيره الحسابات، ومن وصل إلى المليون الأول لن يقنع إلا بإضافة التالي، حيث لا يمكن لأرقام أصحاب الهمم المتعلقة بالمشاريع أن تسكن الحساب البنكي، بل تسير على الأرض تطلب المزيد من الأفكار.
أصحاب المسؤوليات يرون الآخر «مرتاحًا» ويعيش سعيدًا، ومن هم في أسفل القائمة، وعلى امتداد المسافة بينهما، يشعرون بأن الكراسي قادرة على صنع السعادة، حيث النفوذ والجاه، وأن المال الوفير نعمة.. بينما الواقع (وواقعيته) يقولان إن «الحياة ضغط متواصل» وكما يقول مقطع أغنية خليجية «ما حد أبد مرتاح»، بما يكفي للنظر إلى مستويات التنوع «الإنساني» على أنها «صراع» من أجل الحياة لنكمل بعضنا البعض في مسيرتها.. الصعبة.