هل تُخْضَع الشركات الصينية للضريبة حتى الموت؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٢/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
هل تُخْضَع الشركات الصينية للضريبة حتى الموت؟

تشانج جون

قبل بضعة أسابيع، أشعلت مقابلة مع عملاق صناعة زجاج السيارات الصيني تشاو ده وانج شرارة مناقشة محتدمة في مختلف أنحاء الصين. فقد شرح تشاو أن استثماره الأخير بقيمة 600 مليون دولار أمريكي لإنشاء فرع صناعي في الولايات المتحدة لشركته مجموعة ايو ياو جلاس إندستري، كان مدفوعا إلى حد كبير بارتفاع الضرائب في الصين، والتي يزعم تشاو أنها أعلى بنحو 35 % على المصنعين في الصين نسبة إلى أقرانهم في الولايات المتحدة. فهل بلغ العبء الضريبي على الشركات الصينية مستويات قاتلة للاقتصاد حقا؟
إذا تحرينا الأرقام بدقة، فسوف يتبين لنا أن هذه ليست الحال حقا. فقياسا على نسبة الإيرادات المالية الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي، يعادل العبء الضريبي الإجمالي في الصين، وفقا لدليل إحصاءات التمويل الحكومي الذي يصدره صندوق النقد الدولي، ما يزيد قليلا على 29 %. وهذه النسبة أقل بنحو 10 % من المتوسط العالمي.
وتتخلص طريقة أخرى لقياس العبء الضريبي الإجمالي في حساب نسبة العائدات الضريبية ومساهمات الضمان الاجتماعي إلى الناتج المحلي الإجمالي. ووفقا لهذا المقياس، كان متوسط العبء الضريبي في الفترة من 2012 إلى 2015 نحو 23.4 %، أو أقل بنحو 12 % من نظيره في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، تبلغ العائدات الضريبية في الصين نحو 18 % -مقارنة بنحو 26 % من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة ونحو 20 % في الدول النامية (في العام 2013)- وتستمر في الهبوط.
ولكن لا يوافق الجميع على أن العبء الضريبي في الصين منخفض نسبيا، وخاصة على مستوى الشركات. فيشير تقرير حديث صادر عن البنك الدولي إلى أن معدل الضريبة الإجمالي المفروض على الشركات الصينية بلغ في المتوسط 68 %، وبهذا تأتي الصين في المرتبة الثانية عشرة على مستوى العالم. وربما استنتج تساو معدل الضريبة على التصنيع (35 %) من هنا. ولكن ليس من الواضح كيف يحسب البنك الدولي معدله.
الأمر الواضح هو أن رجال الأعمال والمستثمرين الصينيين -الذين يشتكون منذ سنوات من العبء الضريبي الثقيل في الصين- أكثر ميلا إلى الاتفاق مع البنك الدولي من اتفاقهم مع مقارنات ومؤشرات أخرى أكثر ملاءمة. وربما يرجع السبب وراء هذا التصور إلى أن الصين تحصل نسبة أعلى من الضرائب من المنتجين، ونسبة أقل من المستهلكين، مقارنة بأغلب الاقتصادات المتقدمة.
ويؤكد مدير معهد البحوث الضريبية التابع لإدارة الضرائب لدى الدولة الصينية لي وان فو أن أكثر من 90 % من كل الضرائب والرسوم تدفعها شركات صينية، في حين يدفع الأفراد أقل من 10 %. وفي الدول الغربية، تشكل ضرائب الدخل الشخصي والضرائب على التأمين الاجتماعي المقتطعة من الرواتب حصة أعلى من إجمالي الإيرادات الضريبية.
ما هو إذن حجم العبء الضريبي المفروض على الشركات الصينية؟ رسميا، يتعين على المنتجين الصينيين أن يدفعوا ضريبة دخول الشركات بنسبة 25 %. ولكن العديد من الشركات تتلقى حوافز ضريبية. على سبيل المثال، تدفع شركات التكنولوجيا المتطورة التي تدعمها الحكومة معدلا ضريبيا على الدخل لا يتجاوز 15 %، في حين تدفع بعض الشركات الصغيرة الحجم 20 %. وعلى هذا فإن المعدل المتوسط لضريبة الدخول على الشركات يبلغ نحو 20 % وفقا لتقديري.
ويتعين على الشركات أن تدفع أيضا ضريبة القيمة المضافة بنسبة 17 %، وإن كان بوسع الشركات اللجوء إلى خيارات تفضيلية بمعدلات 13 %، و11 %، و6 %، بل وحتى 3 %. وهذا يضع الصين عند نفس نطاق دول أخرى تفرض ضريبة القيمة المضافة. ومع هذا، يُعَد متوسط معدل الضرائب في الصين أعلى كثيرا من نظيره في اليابان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة.
ولكي نعرف كيف تترجم هذه المعدلات في العالَم الحقيقي، قمت بجمع البيانات (التي صنفها أحد المراسلين الصحفيين في بكين) من اثنين من المصنعين الصينيين المعروفين، جري للأجهزة الكهربائية وكاني للمصاعد. ووفقا لتقرير المسؤولية الاجتماعية الصادر عن شركة جري في العام 2015، دفعت الشركة نحو 14.8 بليون يوان صيني (2.1 بليون دولار أمريكي) كمستحقات ضريبية في العام 2015. وكان إجمالي عائداتها أكثر من 100.5 بليون يوان، وكان صافي أرباحها يعادل نحو 12.5 بليون يوان. أي أن إجمالي الضرائب التي دفعتها الشركة تعادل نحو 14.7 % من إجمالي دخل الشركة، أو ما يعادل 1.18 مثل صافي أرباحها.
ورغم أنه من المستحيل تقدير الحجم الدقيق للعبء الضريبي الذي تتحمله الشركات الصينية، فإنها تشعر بتزايد الضغوط المفروضة عليها. ففي وقت يتسم بتباطؤ النمو الاقتصادي، يُصبِح آخر ما تحتاج إليه الصين دفع المزيد من المنتجين بعيدا.
ويتعين على الصين حتى يتسنى لها أن تمنع هذه النتيجة أن تعمل على إنشاء نظام ضريبي أكثر وضوحا وشفافية، مع الانتقال إلى ضرائب أكثر وضوحا ومباشرة. ولابد أيضا من خفض الضرائب والرسوم المفروضة على الشركات، وخفض حصة التأمينات الاجتماعية التي تدفعها الشركات لموظفيها في الصين.
من ناحية أخرى، يتعين على قادة الصين أن يلتزموا بالحد من ارتفاع تكاليف الأراضي والتمويل، وبالتالي تمهيد الطريق لإيجاد سوق أكثر مساواة وتنافسية لكل الشركات. ولابد أن تكون البداية بالاعتراف بأن بعض قطاعات المنتجات النهائية سوف تضطر إلى تحمل تكاليف أعلى طالما بقيت البنية الأساسية في المنبع تحت سيطرة شركات مملوكة للدولة.
أستاذ الاقتصاد ومدير مركز الصين للدراسات الاقتصادية في جامعة فودان