قانون توبون ولغتنا العربية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٢/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٢٥ ص
قانون توبون ولغتنا العربية

جمال زويد

هو قانون فرنسي صدر في الرابع من شهر أغسطس 1994م، يتعلق باستخدام اللغة الفرنسية وحمايتها أمام أي منافسة أو اندثار وتراجع. سُميت بهذا الاسم نسبة إلى وزير الثقافة جاك توبون الذي تحرّك على إصدار هذا القانون باعتبار أن المهمة الرئيسة للثقافة تكمن في المحافظة على هوية وثوابت بلدهم، وأهمها اللغة الفرنسية. ويهدف قانون (توبون) بحسب موسوعة ويكيبيديا إلى إثراء اللغة الفرنسية، والالتزام باستخدامها؛ والدفاع عنها كونها اللغة الرسمية للجمهورية الفرنسية بحسب نص المادة (2) من دستورهم الصادر العام 1958).

بل بلغ تمسّك الفرنسيين بلغتهم إلى أن يكون ذلك حاضراً في حملاتهم الانتخابية بما فيها انتخابات الرئاسة، وقد عبّر الرئيس ساركوزي في خطاب له قبل الانتخابات بأن بلاده ولغتها وجهان لعملة واحدة وقال: «إن فرنسا بحد ذاتها هي لغة».

على أن هذا الاهتمام الفرنسي بلغتهم يكاد يكون شأناً عاماً ومنتشراً في أغلب الدول المتقدّمة، في أوروبا وغيرها. ولا يمكن لأي زائر لتلك الدول أن تخطئ عينيه أو أذنيه مقدار تمسكهم بلغتهم الوطنية وحرصهم على الظهور بها في شتى مناسباتهم وممارستهم لشؤون حياتهم ومهامهم الرسمية وغير الرسمية، لا يتكلمون إلاّ بها، ولا يتعلّمون إلاّ بواسطتها، ولا يعلنون إلاّ بمفرداتها، يتفاخرون بها ويُعلون من شأنها ولا يرضون أن تنازعها في المقام والمكانة أية لغة أخرى، كل شيء عندهم لا يمكن أن تنفكّ صلته بلغتهم الرسمية والوطنية مهما علا أو قلّ شأنه.
يحدث ذلك هناك؛ بينما بوصلة اللغة العربية في بلدانها الأم قد انحرفت عن مسارها، ولم تعد تحمل الأولوية المفترضة في مسائل الهوية والانتماء والثقافة، وتراجع الاهتمام بها وتحوّل إلى غيرها. وأصبحت (العُجمة) هي ما يُفتخر به، وصار كبار القوم والمسؤولين يتنافسون على غير لغتهم، ولا يرون فيها – اللغة العربية - لغة تطورهم ونهضتهم مثلما ترى بقية دول العالم أن نهضتهم لا يمكن أن تتأتي بغير لغتهم. وقد قال في ذلك الانهزام شاعر النيل حافظ إبراهيم:
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحِينَ وَفاتي
أَرى لِرِجالِ الغَرْبِ عِزّاً وَمَنعَة وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ

وقد مضى في أواخر الشهر الماضي، بالضبط في الثامن عشر من شهر ديسمبر الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية من دون أن يعلم به أحد، ومن غير أضواء أو بهرجة عادة ما تصاحب الاحتفالات والمناسبات بالأيام الأخرى الكثيرة التي تملأ التقويم السنوي (الكلندر) حيث تُصاغ خلالها البيانات وتُقام فعاليات وأنشطة للاحتفاء بها ويتم تنظيم مهرجانات وتُوزع مطبوعات، كما تُفرد لها – الأيام والمناسبات الأخرى – حلقات وتقارير في الصحافة وبرامج في الفضائيات ومثلها.

اليوم العالمي للغة العربية تقرر اختيار تخصيصه بالثامن عشر من ديسمبر لأنه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها في العام 1973، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة بناء على طلب قدمته كل من المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية.
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر فإن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تبذلان جهوداً واسعة ومشكورة في سبيل استعادة المكانة المرموقة والمفترضة لصاحبة الجلالة (اللغة العربية). ففي العاصمة السعودية، الرياض؛ جرى تأسيس المجلس الدولي للغة العربية في 16 أبريل 2008م خلال المؤتمر العام لاتحاد الجامعات العربية وحضره قرابة (150) رئيس جامعة اتفقوا حينذاك على إنشاء هذا المجلس من أجل خدمة اللغة العربية وتعلمها وتعليمها والعمل بها في الإدارة والتعليم والتجارة وسوق العمل والإعلام والثقافة وغيرها من الميادين الحيوية.
أما دولة الإمارات العربية المتحدة؛ فقد تبنّت – للعام السادس على التوالي – احتضان المؤتمر الدولي للغة العربية، وهو مؤتمر سنوي يلتقي فيه أساتذة وخبراء اللغة العربية من كل مكان في العالم، يقدّمون أطروحات وأوراق عمل في مختلف التخصصات التي تتعلق بانتشار هذه اللغة ومقترحاتهم في هذا الشأن. المؤتمر الذي تحشد له الإمارات طاقات وإمكانيات كبيرة لإنجاحه يحظى برعاية دائمة ومستمرة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء وحاكم إمارة دبي الذي قدّم أيضاً مبادرة متميزة لصاحبة الجلالة في السابع من مايو 2014 عبارة عن «جائزة محمد بن راشد للغة العربية» العالمية التي تهدف الى تكريم المبدعين في استعمال العربية في خمس مجالات هي: التعليم والإعلام والتعريب والتكنولوجيا وحفظ ونشر التراث اللغوي العربي. يجري سنوياً تكريم المبدعين والمبرزين في هذه المجالات من خلال (12) جائزة، قيمة كل واحدة منها 70,000 ألف دولار تقديراً لجهود العاملين والباحثين في ميدان اللغة العربية التي تحتاج منّا عودة إلى بلاطها الرّحب، هي عودة إلى الأصل، هي حفظ للهوية الثقافية والثوابت الوطنية.