الشركات ليست جمعيات خيرية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٨/يناير/٢٠١٧ ٠٥:٥١ ص
الشركات ليست جمعيات خيرية

تابعتُ مداولات جلسة معالي وزير القوى العاملة، وما طرحه أعضاء مجلس الشورى من مداخلات تركزت في أغلبها عن بحث فرص عمل للشباب العماني، وما أثير في مواقع التواصل الاجتماعية من تعليقات سلبية وإيجابية حول ما تم مناقشته، إلا أن كل الأطروحات و التعليقات تغافلت عن جانب مهم وأساسي في هذه المعادلة، ألا وهو حق صاحب العمل، في الإنتاجية وقيم العمل التي يجب أن يتحلى بها العاملون وتهيئة أبنائنا للعمل والمهن قبل أن يدخلوا سوق العمل، فالأغلب يرى أن الشركات ما هي إلا جمعيات خيرية يجب عليها أن تمنح المواطن راتبًا كفرض واجب بدون النظر إلى ما يقدمه من إنتاجية، أو التزام للأسف، فهذه الأطروحات لا تبحث عن حلول أكثر من تعميق المشكلة وإبقائه معضلة، الأمر الذي يتطلب البحث عن المشكلة مع أطراف الإنتاج الثلاثة وليس واحداً أو اثنين.

ففي الوقت الذي نطالب فيه القطاع الخاص بإتاحة المجال أمام الشباب للعمل لسبر أغواره في الشركات والمؤسسات كأحد الالتزامات الوطنية، فإننا في المقابل نطالب الشباب بالتحلي بقيم العمل وأخلاقياته سواء من حيث الالتزام بالدوام وعدم التغيب والتمرض، أو الارتقاء بالإنتاجية، فكما قلنا بأن هذه الشركات ليست جمعيات خيرية توزع العطايا بدون إنتاجية أو التزام، فهي بذلك لن تتطور وتنهض وستبقى كما يقال «محلك سر» بدون تطور.‏

فالمزايد على الوطنية بالكلام والعواطف ليس له محل من الإعراب في عالم «البزنس»، وعلينا أن نعي ذلك كمجتمع بأن هذه شركات إذا لم تكن ذات إنتاجية فلن تربح وبعدها ستلوذ بالفرار من السوق إلى أسواق أخرى أو تغلق أبوابها، فالرأسمال جبان كما يقال، لا يجب أن تأخذنا العواطف لتدمير اقتصادنا بالبحث عن مبررات للشباب بأن يُحتضنوا ويُدللوا في الشركات، فهذا التعاطي العاطفي ليس مكانه القطاع الخاص، علينا أن نعلِّم أبناءنا أن يشمروا عن سواعد الجد والبذل وينبذوا الاتكالية، فهذه الأطروحات لن تبني اقتصادًا ولن تقدم لنا خدمات متميزة ذات جودة عالية كما نتطلع.
إن ما طرحه البعض من أعضاء الشورى والمغردين ‏لا يعدو إلا أن يكون عواطف جيّاشة لها مسوغاتها في لهب الألباب واستعطاف بعض الفئات وإرضاء الناخبين، إلا أنها لم تقدم شيئًا، إلا إلقاء اللوم على الآخرين، ورمي الكرة في ملعب الغير، فهذا النوع من الخطابات لا يجدي في عوالم المال والأعمال.
البعض يلوم تزايد الوافدين في البلاد بخلاف المواطنين، وهذا واقع لا يمكن أن يُغير بالرفض والفرض أكثر مما يكون بالعمل والبذل والعطاء وعدم الترفع عن الأعمال مهما كانت، والتدرج في سلم الوظائف والمهن، وبدون ذلك يبقى كل الكلام سرابًا لن تجد له أثرًا في العمل الاقتصادي القائم على العطاء وليس العطية التي يراها البعض واجبة.
اليوم بعض الشباب أشبه بالوجهاء والشيوخ في مواقع العمل، لا يمكن أن تسأله لماذا تغيبت أو لماذا تأخرت عن العمل، ولماذا لم تنجز العمل وهكذا دواليك من أوجه القصور، فالحديث عن هذا الجانب يدخلك في دهاليز الإهانات والطرد من الشركة ورفع قضايا في قاعات المحاكم، وتشهير في مواقع التواصل الاجتماعية وغيرها من المشاكل، والقطاع الخاص في غنى عنها، فلا بد أولًا من تهيئة أبنائنا للعمل سواء في المنزل أو المدرسة أو الجامعة أو المسجد، وتعريفهم بماهية العمل وأهميته وقيمته ودوره في الشركات في بناء الاقتصاد والوطن في نهاية المطاف.
فلا يجب أن نبحث عن مبررات ونوزع اللوم على الحكومة تارة والقطاع الخاص تارة أخرى، في حين لا نلتفت إلى الطرف الآخر صاحب العمل وما له من حقوق وما على الشباب من واجبات اتجاه أماكن عملهم.
بالطبع، التحديات في العمل موجودة، والعوائق لا يجب أن تقف أمام أي شاب متعلم وإنما يتغلب عليها ويتجاوزها، بل لا يجب أن نكون مثاليين في تصوير العمل كالأحلام التي تداعب خيالنا في المنام.
نتفهم الكثير من مطالب أعضاء مجلس الشورى لكن يجب علينا في المقابل أن نكون أكثر واقعية في تعاطينا مع العمل في القطاع الخاص الذي له من الحقوق مثلما عليه من واجبات.
نأمل أن نؤمن بأن فرص العمل موجودة في البلاد لكل جاد في العمل ليس فقط في القطاع الحكومي، وإنما في كل القطاعات وأن نسعى ونجتهد للحصول عليها فهي مصدر الرزق، ونحث أبناءنا على امتهان أي عمل وترسيخ التدرج في العمل.