البخل العاطفي

7 أيام الثلاثاء ٠٧/فبراير/٢٠١٧ ٢٠:٠٥ م
البخل العاطفي

لماذا تفجرت نسبة الطلاق في مجتمعاتنا الخليجية؟
لماذا تفشت الخيانة في مجتمعاتنا المحافظة؟
لماذا بدأت العلاقات العاطفية الطائشة تنتشر بين المراهقين في عمر مبكّر؟ ونعني هنا ١٤ و١٥ عاما.
ما سر تفكك الأسر وضعفها؟ وهذا الضعف يُورَّث وهن المجتمع بأسره!
الجواب هو في عنوان موضوعنا.. نعم أنه البخل العاطفي الذي تعاني منه أجيال ترى الرجولة في القسوة وترى أنفة النساء في الجفاف.

*****
مازلت أذكرها جيدا، يسمونها صدوق والخالة تدليل لاسم صديقة.. كانت جارة كبيرة السن لبيت جدي.. عندما يدخل أبناؤها عليها -بمختلف أعمارهم- تصفق وتهلل وتردد «هلا بالغلا.. هلا بخلف جبدي» وكنت أرى أسلوبها كوميديا ولطيفا جدا، فهي ترحب بحرارة بكل من تحب، وتمطرهم بعبارات الحب والشوق. ذات يوم مررت بهم وكان يوم توزيع الشهادات وكنت وقتها في المرحلة الابتدائية. سألتني عن نتيجتي رغم أنها غير معنية بها فقلت لها أني الثالثة على فصلي. كانت نصف مستلقية فاعتدلت في جلستها.. وهللت لي وصفقت منشدةً أغنية ألفتها على عجل بلا سجع ولا رتم.. فرحت جدا.. وهي فرحة لم تعكرها سوى والدتي التي تجهمت عندما سمعت بالنتيجة ونظرت لي باستياء وعقبت «لست الأولى!»!
كانت تلك بالطبع وسيلة والدتي لتحفيزنا لنصل للمكانة التي تظن أننا نستحقها. لم أشعر حقا بالاستياء فاحتفال «صدوق» بي كان يكفيني..
لم تكن تلك المرأة نموذجا فريدا، فالنساء في ذاك الجيل كنا يحتفين بالزوج والأبناء. أذكر كيف كان جدي يسبل الإطراء سبلاً على طبخ جدتي الذي لم يكن به ما يميزه حقا. فقد كانت تعد له يوما السمك المقلي والأرز الأبيض فتلك كانت وجبته الأثيرة التي لا تحتمل معدته غيرها.
الآن؛ تطهو الزوجة لعائلتها ما لذ وطاب ولا تجد إلا التذمر والانتقاد! يدخل الرجل بيته فلا يجد الاستقبال ولا الشوق من أبنائه المنشغلين بهواتفهم فضلا عن زوجته. لا يشعر الأبناء بقيمتهم عند والديهم. لذا ينسجون علاقات هلامية مع مشاهير يعتبرونهم جزءا من يومهم وحياتهم! كما ينخرطون في علاقات عاطفية مبكرة -لأسباب عدة-: أحدها البحث عن الدفء والاهتمام المفقودين في الأسرة.
إن الكرم العاطفي مع الشريك، والوالدين، والأبناء والأصحاب لا يكلف شيئا. ولا ينقص منك أن تبذل عبارات جميلة لزوجتك «وإن كنت تعتقد أنك تبالغ بها» لكنها كفيلة بإنعاشها عاطفيا وتحسين نفسيتها. كما ولن يضير المرأة لو أشعرت زوجها أنه أهم رجل في العالم، فرغم علمه أنها مبالغة إلا أنها ستسعده حتما.

******
في جلسة له قال البروفيسور القدير مصطفى أبو السعد: إن الأب يجب أن يقبل أبناءه يوميا في خمس مواقع: على الرأس والجبين والخدين واليدين. فقاطعه أحد المستمعين باستهزاء قائلا: «لأي عمر» فرد عليه: «إلى أن يصبح عمره ١٤٠ سنة، ما دام ابنك فقبله» وهو ما استمطر ضحكات ساخرة من الموجودين وأغلبهم دعاة وكتاب للأسف! فهؤلاء يَرَوْن أن البذل العاطفي للطفل مرهون بعمر معين وينتهي بانتهاء سن الطفولة المبكرة فبعدها يجب أن نهيئ الطفل ليكون «رجلا» يتعالى على هذه المشاعر فلا يطلبها ولا يرتجيها!
عرفتم لماذا تآكلت العائلة وباتت هشة في زمننا هذا؟!
لأن أساسها العاطفي تلاشى فصارت.. بيوتا بلا أساس تماما كما فُرغت العلاقات من قلبها فصارت بلا نبض!