ضحايا ترامب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٥/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
ضحايا ترامب

بيتر سنجر
عندما انتُخِب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، لم أنضم إلى أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع احتجاجا. بل رأيت أنه من المهم احترام العملية الديمقراطية مهما كانت نتائجها مروعة، والانتظار إلى أن تعطينا إدارة ترامب شيئا نحتج عليه.

ولم يستغرق الأمر وقتا طويلا. فبعد ثمانية أيام من تولي ترامب منصبه، كان أول ضحايا رئاسته الذين أمكننا تمييزهم معروضين على كل منافذ وسائل الإعلام الرئيسية. فقد تسبب الأمر التنفيذي (المرسوم) الذي أصدره ترامب بوقف إعادة توطين اللاجئين السوريين، وفرض حظر مؤقت على دخول كل اللاجئين الجدد بصرف النظر عن المكان القادمين منه، وحظر كل أشكال الهجرة من إيران، والعراق، وليبيا، والصومال، والسودان، واليمن، في إلحاق ضرر فوري مباشر بأشخاص كانوا في طريقهم بالفعل إلى الولايات المتحدة. كما منع الأمر التنفيذي أعدادا أكبر من الناس من المغادرة إلى الولايات المتحدة.
في محاولة لتبرير سياسته، قال ترامب إنه «لن ينسى أبدا دروس الحادي عشر من سبتمبر». ولكن يبدو أن هذا هو ما فعله على وجه التحديد. فقد جاء مختطفو الطائرات الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر من مصر ولبنان والسعودية والإمارات، ولم تتأثر كل هذه الدول بالقواعد الجديدة. وفي المقابل، تخلص دراسة أجراها الباحث أليكس ناوراست، محلل سياسات الهجرة في معهد كاتو التحرري (libertarian Cato Institute) إلى أنه على مدار أربعين عاما، حتى نهاية 2015، لم يُقتَل أحد في الولايات المتحدة في هجمات إرهابية نفذها أجانب من أي من الدول السبع التي أشار إليها أمر ترامب التنفيذي.
ومن الواضح أن الإيرانيين، والكثير منهم يقيمون في الولايات المتحدة بشكل قانوني، هم الأكثر تضررا. يقول تريتا فارسي، وهو رئيس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي، إن الولايات المتحدة ذاتها أنتجت من المقاتلين في صفوف داعش أعدادا أكبر من تلك التي أنتجتها إيران وهو ليس بالأمر المستغرب، إذا علمنا أن داعش منظمة تنظر إلى الشيعة الذين يشكلون 90 % على الأقل من سكان إيران باعتبارهم مرتدين وترى أن قتلهم مبرر.
الواقع أن الحظر المفروض على المهاجرين من الدول السبع يصلح لحوارات تلفزيونية درامية، لأن الأشخاص الذين ألحق بهم الضرر قادرون على التحدث إلى وسائل الإعلام حول هذا الموضوع. وهذه ليست الحال عندما يتعلق الأمر بخفض مجموع اللاجئين المقبولين في العام 2017 من نحو 110 آلاف لاجئ إلى 50 ألف لاجئ فقط، وتعليق برنامج إعادة توطين اللاجئين بشكل كامل لمدة أربعة أشهر. في ظل أزمة اللاجئين العالمية، قال الرئيس السابق باراك أوباما إن الولايات المتحدة ينبغي لها، انطلاقا من روح كلمات إيما لازاروس المحفورة على تمثال الحرية، أن تقوم بنصيبها العادل في توفير مسكن جديد «للحشود المجتمعة التواقة إلى تنشق نسيم الحرية». ومن الواضح الآن أن ترامب أدار ظهره لهذه الرؤية.
الواقع أن هذا الأمر التنفيذي يشكل اختبارا مبكرا لمدى قدرة المحاكم الأمريكية على كبح جِماح رئاسة ترامب. فقد حجب القضاة مؤقتا بعض جوانب الأمر التنفيذي، وعلى سبيل المثال لا يجوز ترحيل الأشخاص الذين اعتُقِلوا لدى وصولهم إلى الولايات المتحدة بموجب الأمر التنفيذي، ولكن قد يمر بعض الوقت قبل أن تحل المحاكم جميع الأسئلة التي يثيرها الحظر الجديد.
وبين هذه الأسئلة، سوف تبرز قضية التمييز على أساس الدين. إذ يقضي الأمر التنفيذي بإلزام وزير الخارجية بعد استئناف برنامج اللاجئين «بإعطاء الأولية بالقدر الذي يسمح به القانون لطلبات اللجوء على أساس الانتماء إلى أقلية دينية مضطهدة. ورغم أن الأمر التنفيذي ذاته لا يذكر أي ديانة بعينها، فقد ذكر ترامب في مقابلة تلفزيونية إنه كان يريد إعطاء الأولوية للمسيحيين. ولأن دستور الولايات المتحدة يحظر على الحكومة إقامة أي ديانة، فلا نملك إلا أن ننتظر لنرى ما إذا كان هذا الجانب من الأمر التنفيذي قد يصمد في وجه التمحيص القضائي.
من المثير للقلق والانزعاج بنفس القدر ذلك التهديد الذي تفرضه على حرية التعبير فقرة تنص على أن الولايات المتحدة «لا يمكنها، ولا ينبغي لها، أن تسمح بدخول أولئك الذين لا يؤيدون الدستور». وفي حديثه عن الأمر التنفيذي، قال ترامب «نحن نريد فقط السماح بدخول بلادنا لأولئك الذين يدعمون بلدنا ويكنون حبا عميقا لشعبنا».
أنا شخصيا أحمل البطاقة الخضراء «إقامة قانونية دائمة في الولايات المتحدة من دون الحصول على الجنسية». وقد كتبت عن عيوب في الدستور الأمريكي، وبقدر ما أنا معجب بكثير من الأمريكيين، فلا أستطيع أن أذهب إلى حد القول إنني «أكن حبا عميقا» للأمريكيين ككل. فهل يعني هذا أنني قد أُمنَع من دخول الولايات المتحدة؟ وهل يتسق هذا مع الإيمان بحرية الفِكر؟
وفقا لناوراست، لن يخلف أمر ترامب التنفيذي عمليا أي تأثير من شأنه أن يعمل على تحسين أمن الولايات المتحدة. وقد ذكر ترامب مرارا وتكرارا إنه سوف يضع دوما مصلحة الأمريكيين أولا. ولكن هل يعطي الأولوية لمصالح الأمريكيين قبل مصالح أي طرف آخر على نحو مطلق؟ بالنظر إلى المعاناة التي يحدثها أمره التنفيذي الآن، فيبدو أنه غير أخلاقي إلى هذا الحد أو ما قد يرقى في حالتنا هذه إلى نفس الشي، يبدو أنه مجنون إلى هذا الحد.

أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة

برينستون وأستاذ فخري بجامعة ملبورن