«التوحيش» لميس ضيف

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠١/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص
«التوحيش»

لميس ضيف

إن صحّت الأرقام التي أوردتها القمة الحكومية العالمية أن 30 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، وأن كلفة الفساد في دولنا تجاوزت التريليون دولار، وأننا مسؤولون عن 45 % من الهجمات الإرهابية في العالم رغم أن عددنا لا يتجاوز الـ5 % من سكان هذه المعمورة، وأن 75 % من اللاجئين في هذا العالم عرب.. فلا يُلام فينا من يرانا آفة يجب محاصرتها ولجمها! فنحن بالفعل عالة على الحضارة والبشرية. 410 ملايين عربي ليس لدينا سوى ألفي براءة اختراع أغلبها منزلية. في حين أن 50 مليون كوري سجّلوا مؤخراً أكثر من 20 ألف براءة اختراع!

ويبقى السؤال الذي يهز المخيلة.. أين يكمن الخلل؟ هل نحن متطرّفون أغبياء بليدون بالفطرة؟! أم إن ظروفنا هي السبب؟ وإن كانت بالفعل الظروف الاقتصادية الصعبة مبرراً للتطرّف والإرهاب وتبلّد العقل؛ فلماذا لم يتطرّف قبلنا الشعب الهندي الذي يعيش 360 مليوناً منه، 37 % من عدد سكانه البالغ 1.21 بليون، في فقر مدقع. حقاً، لماذا يصدِّرون للعالم العقول والمواهب والأطباء والمحاسبين فيما نصدِّر نحن اللاجئين والجهلة والإرهابيين!
تروي كتب التاريخ، والأساطير، عنّا روايات التفوّق والغلبة على العالم.. وهي روايات تقابلها مؤلفات تروي تاريخ الدم والسبي والقهر عبر العصور. ولأننا لا نملك نافذة لرؤية الماضي؛ فحري بنا أن نركّز على ما نراه في عصرنا هذا- وما نراه كثيراً- فخلال السنوات الست الفائتة سقط 1.4 مليون عربي بين قتيل وجريح في معارك وتفجيرات بطلها عربي، وضحيتها عربي. فمَن المسؤول عن كل هذا يا تُرى؟ أهو الاستعمار الذي هجرنا بقالب وعاد لنا بقوالب؟! أهو التسخير اللئيم للدين والشرع، ولمفهوم الجهاد بالتحديد، في توحيش الشخصية العربية وتحويلها لكتلة كراهية لكل مَن يخالفها وإن تشاطر معها الدين والأرض والملة والمذهب!
أهي الحكومات التي جوّعت وحبست شعوبها خلف قضبان وهمية، فمسخت إنسانيتهم وحوّلتهم لدواب همها لا تسمع إلا صوت حاجات الجسد! أهو الجهل «57 مليون عربي بالمناسبة لا يعرفون القراءة والكتابة» وكلنا يعلم أن الجهل الذي هو أبو الشرور والآثام كلها كما كان يقول أرسطو؟
إن الوضع الذي وصلنا له يستحق الدراسة والرثاء.. كنّا نفخر بعروبتنا ولكنه الآن فخر زائف مبني على أمجاد ندّعي وجودها. ولا أرى أن بيدنا اليوم سوى أن ننتظر بمرارة: إما نهضة وحركة تنوير تحملنا مما نحن فيه إلى جادة الصواب أو.. مصيبة تنهينا ملياً فنبدأ من جديد على أنقاض الدمار.