الثقة في الأسواق ومكافحة احتكار وسائل الإعلام

مؤشر الأربعاء ٠١/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٢٢ ص
الثقة في الأسواق ومكافحة احتكار وسائل الإعلام

انعقد الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في لحظة مليئة بالارتباك بالنسبة للنخب الاقتصادية والمالية في العالم. ورغم أن الاقتصاد العالمي قد نما مؤخراً بشكل جيّد إلى حد ما، لكن الناخبين قد تمرّدوا ضد هذه النخب

ورغم التحديات المتداولة ونقاط الضعف، فقد سُجلت أخبار اقتصادية جيّدة كثيرة في السنوات الأخيرة. كما دعمت العولمة والتقدم التكنولوجي النمو العالمي السنوي للناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بنسبة 2.5 % منذ العام 2009- أقل مما كان عليه قبل الكساد العظيم، لكن ما زال مرتفعاً للغاية حسب المقاييس التاريخية. في السنوات 35 الفائتة، انخفضت نسبة سكان العالم الذين يعيشون في الفقر من 40 % إلى 10 % فقط. ولعل أكبر شكوى في العام الفائت هي عدم المساواة. لكن، على المستوى العالمي، مسألة عدم المساواة آخذة في الانخفاض. وبينما ارتفع الظلم في بعض الاقتصادات المتقدمة، لم يكن هذا الارتفاع كبيراً للغاية، حيث ما زال في مستويات معقولة. لكن هذا ليس ما يراه المواطن العادي. ووفقاً للتقرير الانتقالي الجديد للبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، استناداً إلى دراسة المعيشة الانتقالية لعام 2015-2016 من قِبل البنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (حيث أعمل ككبير الاقتصاديين)، فالارتفاع الملحوظ في عدم المساواة يفوق بكثير الواقع الذي وصفته البيانات الرسمية، والتي عادة ما تستند إلى استقصاءات الظروف المعيشية للأسر.

هناك نوع آخر من البيانات، تم جمعها من قِبل الخبير الاقتصادي الفرنسي طوما بيكيتي، والتي قد توفر صورة أكثر دقة لعدم المساواة اليوم: سجلات الضرائب. كما تشير تلك البيانات إلى أن نمو الدخل بين الطبقة الجد ثرية قد تجاوز في الآونة الأخيرة نمو دخل ما تبقى من السكان. وقد عزز فيليب أغيون من جامعة هارفارد وكلية فرنسا وشركاؤه هذه النتيجة، حيث تبيّن أنه في حين لم تزد نسبة عدم المساواة بالنسبة لأكثر من 99 % من سكان البلدان الغنية، فإن نسبة 1 % من المجموعة قد ذهبت بعيداً وازدهرت بشكل مذهل. تمركز الثروة في القمة، كما أشار بيكيتي وغيره، قد يكون خطراً. إذا كانت المؤسسات السياسية ضعيفة، يمكن لكبار رجال الأعمال الأثرياء استخدام أموالهم «للتحكم» في المسؤولين الحكوميين وإمالة اللوائح الاقتصادية لصالحهم. ومع المزايا التنافسية المكتسبة حديثاً، فإنه بإمكانهم تحقيق أرباح غير مستحقة، وإعادة استثمار جزء من أرباحهم في الحصول على المزيد من الإيجارات الجائرة. سيكون من الصعب الحد من تمركز الثروة، ومع مرور الوقت، لن تكون لأصحاب المشاريع الصغيرة أي فرصة. وبطبيعة الحال، إذا كانت المؤسسات السياسية في بلد ما قوية بما فيه الكفاية، فلن يتمكن حتى الأثرياء من تشويه قواعد اللعبة. وفي هذه الحالة، أولئك الذين استحقوا معظم الثروة هم أصحاب المشاريع الصغيرة الأكثر موهبة والأكثر حظاً، الذين يجنون ثمار قيادة الابتكار والنمو التي تعود بالنفع على الاقتصاد بأكمله. هناك حاجة واضحة للتعامل مع النفوذ السياسي غير العادل للأثرياء. وهذا يعني بشكل مباشر جعل التمويل السياسي أكثر شفافية، لكنه يعني أيضاً معالجة استخدام الإعلام من قِبل القلة لتفادي التلاعب السياسي لمصلحتهم الخاصة. وكما أشار لويجي زينغاليس في العام 2012، يمكن للقلة الثرية استخدام ملكية وسائل الإعلام لترسيخ مواقفها السياسية، حيث يمكنهم بعد ذلك الاستثمار لتأمين وسائل الريع التي يمولون منها وسائل الإعلام. وقال زينغاليس إن رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني، كان بارعاً في هذا المجال. لكن العديد من النخبة القليلة في دول ما بعد الشيوعية قد فعلوا نفس الشيء.
وتعتبر وسائل الإعلام أساس المجتمعات الديمقراطية الحديثة. ولهذا ينبغي أن تخضع ملكيتها لقوانين شفافة، مع منع أصحاب وسائل الإعلام من امتلاك أصول أخرى من الناحية المثالية. باختصار يجب أن تكون وسائل الإعلام خاضعة لنفس سياسة مكافحة الاحتكار على غرار صناعات البنية التحتية.
بطبيعة الحال، ستواجه سياسة مكافحة الاحتكار هذه مقاومة سياسية عنيفة. وحتى لو تم تنفيذ مثل هذه السياسة، فإن الأثرياء سيواصلون العمل للتأثير على وسائل الإعلام من خلال، مثلاً، عقود الدعاية. إن تنفيذ المكافحة الفعالة لاحتكار وسائل الإعلام لن يكون سهلاً. لكن سيظل أسهل من مجادلة رأي عام مستاء على نحو متزايد من الديمقراطية والأسواق المفتوحة.

كبير الاقتصاديين في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.