تشبيه اللاجئين بأسلحة الدمار الشامل

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٥/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
تشبيه اللاجئين

بأسلحة الدمار الشامل

ريكاردو هاوسمان

في صيف العام 2015 كان ستيفن هاربر رئيس الوزراء الكندي الأسبق على وشك الفوز برابع انتخابات على التوالي والتي كان مقررا انعقادها في شهر أكتوبر من ذلك العام، إلا أن حزب المحافظين الذي ينتمي إليه فاز بتسعة وتسعين مقعدا فقط من إجمالي 338 مقعدا في مجلس العموم ولم يفز الحزب بدائرة انتخابية واحدة في تورنتو أو في الساحل الأطلسي بأكمله، وانتهى الأمر بحصول حزب الأحرار بقيادة جستن ترودو على ثاني أكبر أغلبية برلمانية في تاريخه وهي 184 مقعدا رغم أنه كان في المركز الثالث في بداية الحملة الانتخابية.

وهذا التحول السريع في مجريات الأمور سببه أحداث وقعت على بعد آلاف الأميال ففي الساعات الأولى من الثاني من سبتمبر سنة 2015 وفي بودروم بتركيا ركبت عائلة سورية كردية قاربا صغيرا في محاولة منها للوصول إلى اليونان وبعد دقائق معدودة انقلب القارب وغرقت ريحانا كردي مع طفليها غالب وآيلان ونشر مصور فوتوغرافي تركي يدعى نولفر ديمر على تويتر صورة لجثة الطفل آيلان كردي البالغ من العمر ثلاث سنوات ملقاة على الشاطئ وهزت الصورة العالم أجمع وأنهت مسيرة هاربر السياسية.
وفي الربيع الذي سبق هذا التاريخ كان هاربر قد أمر كريس ألكســــندر وزير الجنســـية والهجرة بإعادة النظر في سياســـة كندا بشأن اللاجئين لضمان عدم دخول إرهابيين مما أدى إلى توقف نظام الهجرة تقريبا وقبل شهر من ذلك التاريخ تطرق إلى حظر ارتداء النقاب في الخدمات العامة، الأمر الذي أثار الشكوك حول الدافع الحقيقي وراء قرار اللاجئين.
وكانت تيما كردي عمة آيلان كردي وهي مقيمة في فانكوفر حاولت جلبه هو وعائلته إلى كندا لكن قرارات هاربر المتعلقة باللاجئين حالت دون ذلك وفجأة أصبحت السياسة التي يقصد بها حماية الكنديين من الإرهاب سياسة أساءت إلى شعور الكنديين بهويتهم فقد كانوا مجتمعا منفتحا رحيما، ودفع هاربر ثمنًا باهظًا لما حدث.
ولكن الأمور كانت مختلفة تماما جنوب الحدود الكندية فقد فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية معطيا الوعود للناخبين بحظر السفر على المسلمين، وبناء جدار على الحدود المكسيكية و«قوة مسؤولة عن الإبعاد والترحيل» وقررت المحاكم بطلان محاولة ترامب الأولى لتنفيذ حظر السفر ولكن بعد إحداث فوضى في المطارات وارتباك داخل الجامعات واختلال للنظام الأسري والآن إدارة ترامب بصدد إصدار حظر جديد على السفر.
استنادًا إلى تطورات حديثة في علم النفس وعلم الأعصاب هناك سببان يفسران لماذا يتصرف الأمريكان والكنديون على نحو مختلف تماما. السبب الأول قائم على رؤى تتعلق بصناعة القرار في ظل شك على أساس نظرية الاحتمالات والتي طورها دانيال كاهنيمان واموس تفرسكي في الثمانينيات والتسعينيات.
يقول كاهنيمان وتفرسكي أن فرض أي قيود على الهجرة يشير ضمنا إلى المفاضلة بين خطأين. الخطأ من النوع الأول هو السماح بدخول إرهابيين محتملين والخطأ من النوع الثاني هو منع أجانب أبرياء من الدخول. إن صياغة سياسة مناسبة يتطلب الموازنة بين تلك المخاطر مع الأخذ في الاعتبار احتمالاتها النسبية ومقدار الاهتمام بإنقاذ حياة المقيمين وتمزق الحياة الأسرية للمهاجرين المحتملين. كم حياة أسرية تنوى أن تمزقها أو تعرضها للخطر لتجنب هجوم إرهابي؟
يقول كاهنيمان وتفرسكي: عند حساب الاحتمالات يرتكب الناس أخطاء بشكل منهجي ويفعلون ذلك بالبحث في ذاكرتهم عن أمثلة فإذا تذكروا هجمات باريس ونيس فسيبالغون في تقدير الإرهاب المحتمل وإذا شاهدوا صورة آيلان كردي ربما يفكرون بعكس ذلك.
واستغلال أهمية الذاكرة يؤثر على إدراك مخاطر اتخاذ القرار وربما هذا هو السبب الذي دعا ترامب وفريقه يبالغون في تقدير مخاطر الهجمات الإرهابية باختلاقهم هجمات وهمية مثل «مذبحة باولنج جرين» وأكثر من ذلك اختلاقهم مؤخرًا لحـــدث لا وجــــود له في الســــويد «حدث في الليلة الفائتة في السويد».
وربما يجادل ترامب بأن أي خطر يتعرض له أي أمريكي غير مقبول بغض النظر عن عدد الأطفال الذين يموتون مثل آيلان كردي وتمزق الحياة الأسرية لكثير من الناس لكن في هذه الحالة كيف له أن يطلب من الجنود الأمريكيين أن يعرضوا حياتهم للخطر في الموصل أو قندهار؟ هل طلب مثل هذه التضحية مبررا -على الأقل جزئيا- بســـبب الحرص على سلامة الآخرين؟ هل فعلاً عدم الاهتمام بما يحــدث للآخرين هو تقليد أمريكي؟
الرؤية الثانية وهي من بحث نفسي قام بتلخيصه بروس هود في كتابه الأخير «الخداع النفسي» تتعلق بالدور الذي يقوم به الوعي بصناعة القرار ويظهر بحث معملي حديث أن أفكار الوعي الخاصة بنا تختلق حجج منطقية لكثير من القرارات التي يميل العقل إلى اتخاذها بدون وعي.
على سبيل المثال رئيس الولايات المتحدة جورج دبليو بوش ربما قرر غزو العراق والإطاحة بصدام لأسباب عدة: الحصول على مزايا استراتيجية واهتمامات إنســــانية وربما حتى التنافس مع أبيه، ومعظم الأسباب لم يكن من بينها وجود أسلحة دمار شامل ومع ذلك اُستخدمت حجة وجود أسلحة دمار شامل لأنها كانت من أسهل الحجج تبريرا في ضوء الأحداث التي جرت.
هل فعليا تم اتخاذ قرار حظر السفر بدافع حماية الأمريكان أم هناك دوافع أخرى؟ ضع في اعتبارك أنه تم تطبيق حظر السفر على سبع دول فلماذا ينظر إلى الموطن الأصلي على أنه أداة استشعار للإرهابيين المحتملين؟ وبرغم كل شيء لم يرتكب أي لاجئ مسلم عملا إرهابيا في الولايات المتحدة ولم يرتكب مواطنو الدول السبع التي استهدفها ترامب أي أعمال إرهابية في الولايات المتحدة.
هل يعد مريض سوري بالسرطان أو أكاديمي إيراني مجيد أكثر خطورة بســـبب موطنهــما الأصـــلي؟ ألا يمكننا أن نثق بالخارجيـــة الأمريكــية وأجــهزة الاستخـــبارات في إصـــدار هذه الأحكام بــدون الرجوع فقط إلى معلومـــات عــن الــموطــن الأصلي؟
النقطة الأســـاسية هي أن حظر السفر على المسلمين وبناء جدار على الحدود المكسيكية ربما يكون أقل ارتباطا بتبريراتهم التي صرحوا بها وأكثر ارتباطا باعتبارات أخرى قد يكون بعضها تشـــكل باللاوعي وبرغم كل شيء لم تضع هذه السياســـة وزارة الأمن الداخلي لكن وضعها كبير الاســتراتيجيين لدى ترامب وهــو المحـــارب الثقـــافي ســـتيفن بانون.
وربمـــا يؤيـــد الشـــعب مثل هــذه الإجـــراءات لأنهم قلقون من أن الأشخاص الذين لا يشـــبهوننا سيســمح لهـــم أن يكـــونوا جزءا منا وبالتالي لن يكـــون هـــناك «نحن» بعــــد الآن. لكن هل سيكون هــناك «نحـــن» إذا تخليــنا عن انفــتاحــنا ورحمتنا؟

وزير التخطيط السابق في فنزويلا وأستاذ الاقتصاد

بكلية كينيدي بجامعة هارفارد