التعمين مسؤولية الجميع

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٧/مارس/٢٠١٧ ٠٤:١٠ ص
التعمين مسؤولية الجميع

علي بن سالم الراشدي

حسب الأرقام المسجلة بالهيئة العامة لسجل القوى العاملة يقترب عدد الباحثين العمانيين عن العمل من 45 ألف باحث نشط، وهناك تراكم شهري ينضم إلى الرقم المعلن كنتيجة طبيعية لمخرجات التعليم العالي والمتوسط، أضف إليهم بضعة آف من العمانيين غير النشطين والذين يرقبون مشهد سوق العمل عن قرب وينتظرون أية فرصة عمل مناسبة، وهو ما يطرح تحدياً كبيراً يجب أن تتضافر معه جهود جميع المؤسسات الحكومية والخاصة لإيجاد حل سريع وعاجل للإحلال ودمج أكبر نسبة ممكنة بسوق العمل، فالتعمين هو مشروع الجميع ومسؤولية الجميع.

والمؤكد أن وجود هذا العدد الكبير من الشباب الباحث عن عمل يمثل كابوساً مزمناً ويعدُّ أحد التحديات الرئيسة أو المهمة والتي لا تقبل التأجيل ولا التسويف، فهو تعطيل لقوى مدربة أنفقت عليها الحكومة مئات الآلاف من الريالات والكثير منهم تخرجوا من جامعات مرموقة من داخل وخارج السلطنة، وبعض الآباء درَّسوا أبناءهم على حسابهم الخاص ويحلمون من تحمل نفقات دراستهم أن يروا فلذات أكبادهم وهم يتربعون على كرسي الوظيفة ليعيدوا لهم جزءاً من المبالغ التي صُرفت عليهم أثناء دراستهم وليحققوا لهم طموحاً بُذل فيه الغالي والنفيس. وكل هذه القوى المدربة تحمل مؤهلات علمية يحتاجها سوق العمل ويعقد عليها آمالاً كبيرة في تحمل المسؤولية وفي كسر هيمنة أكثر من مليون و900 ألف وافد يتوزعون ويتغلغلون في نسيج الاقتصاد الوطني بشقيه الحكومي والخاص.

والمؤكد أن وزارة القوى العاملة بوصفها الجهة المسؤولة عن التوظيف وتنظيم سوق العمل تبذل جهوداً كبيرة للتدريب والإحلال بالقطاع الخاص وفي مختلف المهن، ولكن ترك هذه المسؤولية على الوزارة وحدها فيه إجحاف كبير، فقدرة الوزارة محدودة في توفير فرص عمل بقطاع تستحوذ على إدارته القوى العاملة الوافدة ويعتمد على الإنفاق الحكومي والذي تأثر مؤخراً بانخفاض الإنفاق على المشاريع كنتيجة طبيعية لانخفاض أسعار النفط، كما تقع على الوزارة مسؤولية تنظيم سوق العمل بأطرافه الثلاثة علاوة على المشاكل التي تترتب على مخالفات العاملين الأجانب من هروب وقضايا عمالية مختلفة أضف إليه التأهيل والتدريب من خلال الكليات التقنية العليا ومعاهد التدريب التي تديرها الوزارة وتشرف عليها.
لذا فإن إطلاق استراتيجية واضحة للإحلال بمشاركة القطاعات يعدُّ أمراً مهماً وضرورياً الآن خصوصاً بعد تشكيل لجنة وزارية لدراسة موضوع التعمين والتي نتمنى أن تضع حلولاً عاجلة لهذه المشكلة يكون فيها الجميع مسؤولاً ومشاركاً وليس متفرجاً وناقداً.
ومما يثير الاستغراب حقاً هو تغلغل عشرات الآلاف من الوافدين في نسيج القطاع الحكومي يتوزعون في مختلف المهن بداية من المهن الطبية والهندسية ووصولاً إلى سائقي السيارات والشاحنات، وهو ما يطرح تساؤلاً حول جدية بعض الوزارات في التعمين.
فمن الغريب أن تعجز وزارة الصحة مثالاً عن توظيف أطباء عمانيين وممرضين وحتى مضمدين بحجة عدم توفر الدرجات والمستشفيات التابعة لها تعج بالوافدين، ومن العجيب أيضاً أن يصطف آلاف من المهندسين المدنيين العمانيين ووزارة البلديات الإقليمية والبيئة تزخر مكاتبها بعشرات المهندسين الوافدين، ووسط كل هذه الضبابية نطرح تساؤلاً: هل يحق لنا أن نلزم القطاع الخاص بزيادة نسبة التعمين وقطاعنا الحكومي لا يزال يستضيف آلافاً من الوافدين؟! وهل نستطيع أن نعمِّن مهنة سائقي الشاحنات بالقطاع الخاص وبلدية مسقط حتى الآن يسيطر الوافدون على أسطولها من الشاحنات والمعدات؟! في الأخير يبقى برنامج التعمين برنامج الجميع، المجتمع الذي يجب أن يشجع أبناءه على الدخول في سوق العمل بتخصصاته العليا والمتوسطة، وكذلك برنامج القطاع الخاص الذي يجب أن ينظر إلى العامل العماني كاستثمار بعيد المدى فهو من ينشِّط الاقتصاد الوطني الذي سينعكس على إنتاج هذا القطاع وعلى ديمومته، وهو أيضاً برنامج الحكومة والذي يجب أن تتكاتف جهودها جميعا للإحلال وبتناغم كامل.