هل ولدت منظمة التجارة العالمية من جديد؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٧/مارس/٢٠١٧ ٠٤:١٠ ص
هل ولدت منظمة التجارة العالمية من جديد؟

آرفيند سابرامانيان

لفترة طويلة جداً بقيت منظمة التجارة العالمية ترزح على «ضفاف مياه الليمان» (بحيرة جنيف اليوم) كما قال الشاعر ت س اليوت.

قديماً كانت منظمة التجارة منتدى تجارياً بارزاً متعدد الأطراف لكنها أصبحت مهمشة بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، والاتجاهات الرافضة للعولمة مثل التصويت على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وانتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى تزايد هذا التوجه، إلا أن هذه النتائج قد تكون لها في الواقع آثار عكسية بسبب ثلاثة أحداث رئيسية يمكنها أن تساعد على إحياء منظمة التجارة العالمية وإحياء تعددية الأطراف التي تجسدها.

أول حدث هو انخفاض الترتيبات التجارية البديلة. وصلت منظمة التجارة العالمية لقمة أدائها في بداية الألفية الثانية بعد اختتام مفاوضات جولة أوروجواي التجارية بسنوات قليلة، في الوقت الذي كانت فيه المزيد من الدول وأبرزها الصين تنضم إلى المنظمة. لكن اللاعبين الرئيسيين في مجال التجارة مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في وقت لاحق حولوا تركيزهم من الاتفاقيات متعددة الأطراف إلى الصفقات الثنائية والإقليمية والإقليمية الضخمة. الصفقات الإقليمية الضخمة وهي الشراكة العابرة للمحيط الهادي والشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي شكلت خطراً جسيماً بوجه خاص على منظمة التجارة العالمية ومع ذلك فتلك الصفقات هي بالتحديد الصفقات التي ترفضها إدارة ترامب أو تؤجلها على أقل تقدير.
وكان للاندماج الأوروبي أثره المشابه على منظمة التجارة العالمية لأنه قدم منبراً بديلاً لإدارة التجارة داخل أوروبا لكن المشروع الأوروبي يمر بأوقات عصيبة أبرزها رحيل المملكة المتحدة الوشيك من الاتحاد الأوروبي. بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من المحتمل أن تصبح منظمة التجارة العالمية منتدى مهماً لعلاقات بريطانيا التجارية مع العالم وأي تفكك آخر للاتحاد الأوروبي سيعزز هذا الاتجاه.
وبالطبع فإنه من الممكن أن الاتفاقيات التجارية الإقليمية في آسيا أو في أي مكان آخر ستستمر في الازدهار، لكن يجب أن تنشأ قيادة جديدة ولا يوجد اليوم دولة واحدة ذات أهمية هيكلية يمكنها أن تفي بالاحتياجات الدقيقة لمثل هذه القيادة: استقرار سياسي داخلي وديناميكية اقتصادية ومخاطر يمكن احتواؤها نسبياً والتزام ثابت بالأسواق المفتوحة. والحدث الثاني وهو رفض المصوتين المتزايد للعولمة المفرطة وهو فأل حسن لإحياء منظمة التجارة العالمية رغم أنه يبدو مخالفاً للتوقعات والعولمة المفرطة هي بصفة أساسية اندماج عميق وتتعدى إقامة أسواق مفتوحة للسلع والخدمات لتشمل الهجرة المتزايدة في الولايات المتحدة وأوروبا وتنسيق وضبط الأحكام والأنظمة، والتدخل في السياسات المحلية (تسوية الإجراءات مع المستثمرين برعاية اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية والشراكة العابرة للمحيط الهادي). في حالة الاتحاد الأوروبي توجد كذلك عملة مشتركة وتعد «الإقليمية» أكثر فعالية بكثير من منظمة التجارة العالمية لمثل هذا الاندماج. إن هيكل التجارة والاستثمار الشبيه بالشبكة والذي يربط الدول بعضها ببعض والمتجسد في سلاسل القيمة العالمية، والذي أطلق عليه أنا والسيد عيدتيا ماتيو «عولمة عابرة بين الدول» ستحول دون الارتداد عن الطريق القويم. الحدث الثالث والذي يمكنه تنشيط منظمة التجارة العالمية هو موقف أكثر حمائية من قبل إدارة ترامب. إذا رفعت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية ونفذت تعديل الضريبة الحدودية في صالح الصادرات وفرضت رسوم عقابية على الواردات. لهذا من الممكن أن تصبح منظمة التجارة العالمية المكان الذي تصبح فيه السياسات التجارية للولايات المتحدة تحت المراقبة والسيطرة.إن إحياء منظمة التجارة العالمية لن يحدث تلقائياً، ويجب على الأطراف المعنية الراغبة في المساعدة أن تسعى حثيثاً لتحقيقه وأكثر المرشحين لهذه المهمة هي الاقتصادات متوسطة الحجم التي تعدُّ أكبر المستفيدين من العولمة وهي في الوقت الراهن ليست تحت وطأة ضغط الشعوب المعادية للعولمة خلافاً للولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية.

أرفيند ساب آرفيند سابرامانيان

هو كبير المستشارين الاقتصاديين بالحكومة الهندية.