إجهاد ترامب

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٧/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٣٠ ص
إجهاد ترامب

مايكل جيه. بوسكين

شهدت الأسابيع القليلة الأولى من رئاسة دونالد ترامب ما بدا وكأنه عام كامل من النشاط والشحناء. ووسائل الإعلام الأمريكية لا تتحدث إلا عن ترامب كل الوقت ــ ولا تنقصهم الذخيرة اللازمة. فوسط تحركات ترامب الأولية لقلب الأوضاع في واشنطن العاصمة، بما في ذلك فرض الحظر لخمس سنوات على تكوين جماعات الضغط والموافقة على خطوط الأنابيب التي حجبها الرئيس باراك أوباما، ارتكب ترامب بعض الأخطاء الخطيرة ــ التي كان بوسعه أن يتجنبها.

ترامب ليس أول رئيس يصل إلى السلطة في البيت الأبيض مخططا لقلب أو إعادة تنظيم الأمور. فقد حاول الرئيس جيمي كارتر، ولكنه سرعان ما اصطدم بقيادات حزبه شخصياً في الكونجرس ــ وبالتالي كان يناضل كلما أراد إنجاز أي شيء. على سبيل المثال، حَوُّل الكونجرس خفضه الضريبي المقترح على الأرباح إلى خفض ضريبي على المكاسب الرأسمالية.

وكان رونالد ريجان، خليفة كارتر، أكثر نجاحاً في الدفع بإصلاحات خفض الضرائب، فضلا عن تعزيز بناء المؤسسة العسكرية الذي ساعد في الانتصار في الحرب الباردة. ولكنه عجز عن كبح جماح الإنفاق. وحاول بِل كلينتون إعادة تشكيل نظام الرعاية الصحية في أمريكا. وأدى فشله إلى خسارة مذهلة مُني بها الديمقراطيون في انتخابات الكونجرس النصفية في العام 1994. ويشكو الناس الآن من الفوضى التي تتسم بها إدارة ترامب، ولكن البيت الأبيض في عهد كلينتون كان غير منظم إلى الحد الذي اضطره إلى تعيين ليون بانيتا رئيسا للأركان وديفيد جيرجن مستشارا للاتصالات لتصحيح مسار السفينة.
والآن حان دور ترامب لمحاولة قلب الأوضاع، وهو يستعين بنهج مختلف عن أساليب من سبقوه. ولكن ترامب لا يستطيع تغيير قواعد اللعبة منفردا؛ بل يتعين عليه أن يعمل ضمن القيود التي تفرضها مؤسسات الوساطة العديدة في الحكومة الأمريكية ونظام الضوابط والتوازنات القوي.
الواقع أن العديد من أولويات ترامب السياسية ــ بما في ذلك الإصلاح الضريبي، وإلغاء بعض القيود التنظيمية، والبناء العسكري، والإنفاق على البنية الأساسية، وإلغاء قانون الرعاية الميسرة ووضع قانون آخر في محله ــ تحتاج إلى تشريعات. وهذا يعني تجميع ائتلافات ناجحة في الكونجرس. فسوف يذهب العديد من أولئك الذين يدعمون التخفيضات الضريبية، على سبيل المثال، إلى معارضة زيادة الإنفاق والمطالبة بإصلاح نظام الاستحقاقات.
وسوف يضطر ترامب أيضا إلى التعامل مع المحاكم، التي أصدرت بالفعل أحكاماً ضد أمره التنفيذي المبكر بحظر دخول أي شخص من سبع دول ذات أغلبية من السكان المسلمين إلى الولايات المتحدة. ولكن توبيخه للمحاكم والقضاة الذين ألغوا حظره على السفر يبدو ضئيلا بالمقارنة بالهجوم الذي شنه أوباما على المحكمة العليا خلال خطاب حالة الاتحاد في العام 2010. ولا يرقى إلى كونه «تهديدا للديمقراطية» إذا قورِن باقتراح الرئيس فرانكلين د. روزفلت تزويد المحكمة العليا بقضاة إضافيين لدعم برنامجه الاقتصادي.
سوف ينبئنا الوقت ما إذا كان ترامب وفريقه قادرين على اكتساب القدر اللازم من المهارة والصبر للعمل بفعالية داخل النظام الذي ينافسونه، وقبول التنازلات لتحقيق النجاح. (استغرق آخر إصلاح ضريبي كبير عامين كاملين). ولم يحاول كارتر، وفشل؛ وحاول ريجان، ونجح. وفي نهاية المطاف، وجد كلينتون أيضا النجاح، من خلال التعاون مع الجمهوريين في الكونجرس لإصلاح الرعاية الاجتماعية وضبط الموازنة.
ولكن في مجال الشؤون الخارجية، يتمتع الرئيس الأمريكي بسلطة كبيرة. والواقع أن ترامب أربك بعض حلفاء الولايات المتحدة وأحرجهم، بما في ذلك من خلال إثارة الشكوك حول التزام أمريكا بمنظمة حلف شمال الأطلسي. ومؤخرا، سعى مسؤولون في حكومته إلى طمأنة أولئك الحلفاء، في حين أصروا على معالجة أوجه القصور في الإنفاق الدفاعي. وفي كل الأحوال، كانت اجتماعات ترامب الأولية مع قادة المملكة المتحدة، واليابان، وكندا، وإسرائيل، إيجابية. وعلى صعيد التجارة، كانت تصريحات ترامب أيضا مقلقة بعض الشيء. فإلى جانب الانسحاب من الشراكة عبر المحيط الهادئ، اقترح ترامب إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، وهدد بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات الصينية. ولكن الكونجرس ربما يدفع ترامب نحو نهج أكثر اعتدالا. ولنتذكر هنا أن أوباما أيضا شن حملة هجوم على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية. من المؤكد أن ترامب محق في تصريحه بأن الحاجة إلى آليات ضبط أفضل لصالح العمال العاديين الذين تخلفوا عن الركب في أميركا باتت ملحة بعد أن تأخرت كثيرا. ولكن الخير الذي عاد علينا من التجارة أكبر من الأضرار التي ترتبت عليها، وكانت الغالبية العظمى من الخسائر في وظائف التصنيع في العالَم المتقدم راجعة إلى التقدم التكنولوجي.
من حسن الحظ أن ترامب يستعين بفريق قوي لمساعدته في الإبحار عبر قضايا السياسة الخارجية المعقدة. وقد اتخذ بعض الاختيارات الممتازة لمجلس الوزراء، بما في ذلك ثلاثة أعرفهم شخصيا: وزير الدفاع جيمس ماتيس، ووزير الخارجية ركس تيلرسون، ووزيرة النقل ايلين تشاو. وهم أشخاص يتمتعون بقدر كبير من الذكاء والنزاهة، فضلا عن مهارات التعامل مع الآخرين، والقدرات الإدارية الممتازة؛ وسوف يخبرون ترامب بما ينبغي له أن يسمعه. وكان مرشح ترامب للمحكمة العليا، نيل جورساتش، محل إشادة على نطاق واسع.
في اعتقادي أن الأخطاء التي ارتكبها ترامب حتى الآن هي أخطاء مبتدئين. فقد تعجل إصدار الأمر بشأن حظر السفر، وفشل في دراسته بشكل واف مع الإدارات ذات الصلة. واضطر مستشاره الأول للأمن القومي، مايكل فلين، إلى الاستقالة بعد أن تبين أنه ضلل نائب الرئيس مايك بنس حول مناقشة عقوبات الولايات المتحدة مع السفير الروسي قبل تنصيب ترامب. كما تصارع ترامب مع مجتمع الاستخبارات حول معلومات مسربة (بشكل غير قانوني).
الواقع أن ترامب يلقي بتصريحات تتسم بالغلو بشكل أكثر تكرارا من الرؤساء الذين سبقوه. ومن الممكن أن تزرع مثل هذه التصريحات بذور الشك والانقسام. وربما تعكس مقترحاته وقراراته السياسية الأولية أهدافه الفعلية، ولكنها يمكن تقديمها أيضا بطريقة معينة على أنها تكتيكات تفاوضية أو استراتيجية إعلامية. وفي كل الأحوال، سوف يستفيد ترامب وجماهير الناس على حد سواء من التواصل بقدر أكبر من الوضوح.
يشعر بعض الديمقراطيين الآن بالغضب الشديد إلى الحد الذي يجعلهم يطالبون بالمقاومة التامة. وهنا في كاليفورنيا، يدعو بعض هؤلاء بشكل هستيري إلى تحويل الولاية بالكامل إلى ملاذ للهجرة؛ وهناك من يتحدثون حتى عن الانفصال. ومن جانبهم، بذل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ قصارى جهدهم لتأخير الموافقة على ترشيحات ترامب لمجلس الوزراء، وهو ما من شأنه أن يزيد من ضعف أداء الإدارة. وتظل المئات من المناصب العليا في انتظار المرشحين حتى الآن.
الحق أن ترامب، مثله في ذلك كمثل كل الرؤساء، يريد الفوز. وهو يعلم أنه لابد أن يحقق نتائج ملموسة تُفضي إلى تحسين حياة الناس. ومن حسن حظه، كانت التوقعات بأنه سيخفف من القبضة التنظيمية التي فرضها أوباما والضرائب المرتفعة على رأس المال سببا، حتى الآن، في صعود أسواق الأوراق المالية، ويبدو الديمقراطيون وكأنهم يدمرون ذواتهم.
إذا كان لترامب أن يستفيد بشكل كامل من هذه الاتجاهات في الدفع بأجندته الإصلاحية، فينبغي له أن يعطي حكومته دوراً أكبر في السياسة وأن يعمل على تحسين التنسيق مع وبين هيئة العاملين في البيت الأبيض. كما يتعين عليه أن يحول انتباهه بعيداً عن مغازلة الجدال والشقاق ونحو تمرير سياساته. وإلا فإن حتى أنصاره ربما يصيبهم «إجهاد ترامب».

أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، وكبير زملاء مؤسسة هوفر