آمال الشعوب من قمة عمَّان

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٢/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٣١ ص
آمال الشعوب من قمة عمَّان

أحمد المرشد

ونحن نقترب من القمة العربية التي تستضيفها العاصمة الأردنية عمَّان، لا أجد سوى سرد بعض عناوين صحف الأسبوع الفائت المتعلقة بأزماتنا العربية، وأعتقد أننا بمجرد قراءة هذه العناوين سنعرف بلا جدال إلى أي منزلق نعيش فيه نحن العرب، لن أقول كقادة ولكن كشعوب.. لماذا الشعوب وليس القادة؟، هذا لأنني أعتقد أننا نحن -الشعوب العربية- نفكر بمفردنا في حلول لأزماتنا الراهنة، وربما يكون القادة لديهم هموما أخرى، ربما تكون محلية، وربما تكون همومهم مرتبطة بشعوبهم فقط، وإذا كان هذا حق فهو واجب على القادة.. ولكن في النهاية، ما أراه لازما في وقتنا الراهن، هو ضرورة أن نستيقظ في أقرب فرصة لنجد أخبارنا في الصحف المحلية والعربية والعالمية، تسرنا وتكدر نفوس الأعداء بدلا مما نقــرأه حــاليا، أخبار تغمنا وتصيـبنا باكتئاب وتسر الأعداء.

ومن عناوين الأخبار التي اخترتها بصورة عشوائية ولكنها كلها تخص سوريا والعراق واليمن وليبيا، ونبدأ بسوريا «أنقرة تلوح لواشنطن بتعاون مع موسكو في الرقة وتصاعد خلافاتها مع أمريكا.. وانتهاء مفاوضات جنيف بتصريحات متناقضة للروس».. و«لواء أمريكي متقاعد يرجح مشاركة ممثلين من إدارة ترامب في كازاخستان.. والمعارضة تتهم موسكو باستثمار الوقت في الوقت الضائع بإعادة الآستانة بعد فشلها»، و«الخارجية الروسية تتهم المعارضة بتخريب المفاوضات».. و«فرقاطة روســـية تعبر البوســفور في طريقها إلى ســـوريا».. و«خطة البنتاجون لتحرير الرقة تتجاهل التحفظات التركية».. و«نتنياهو في موسكو لبحث موقع إسرائيل في التسوية السورية».
ثم العراق «صد هجوم مضاد لداعش في غرب الموصل.. والجوع والخوف والصدمة تهيمن على نازحي الموصل».. و«معركة الموصل تتحول إلى حرب أزقة».
ونمر باليمن «سقوط 12 شخصا في 20 غارة أمريكية على مواقع القاعدة باليمن». ونختتم بليبيا «تجدد الاشتباكات في ليبيا.. والغويل يتحدي سيطرة السراج على طرابلس» و«موسكو تستقبل السراج وترفض حلول جاهزة على الليبيين».. و«استمرار اقتتال الليبيين يشعل أسعار الأسلحة في طرابلس».
قبل أن أعرج إلى فكرتي، أقول إن عناوين الأخبار لا ولن تنتهي، وكلها كما تشير في معناها ومضمونها، أن أزماتنا في سوريا والعراق وليبيا واليمن أصبحت مرهونة بأيدٍ خارجية، ولعل من قبيل الأخبار التي تصيبنا بهم وغم واكتئاب، العنوان الخاص بـ»نتنياهو في موسكو لبحث موقع إسرائيل في التسوية السورية»، إلى هذا الحد بلغ حالنا العربي، فرئيس الوزراء الإسرائيلي يبحث موقع إسرائيل في أي تسوية مستقبلية بشأن سوريا، ويبحثها مع من؟ مع روسيا! فزمام الأمور لم يعد بأيدينا، حيث انتقل إلى قوى أخرى ترى نفســـها الأحق بمناقشة مستقبل المنطقة.
كفى ذلك عن حالنا اليوم ولا داعي للمزيد من صب الزيت على النار، فالشعوب العربية تنكوي بنار هذه الأزمات ومتابعاتها وردود فعلها، ويكفي ما نقل عن مستشارة ألمانيا الغربية أنجيلا ميركل قولها: «أعلم أن للمسلمين قبلة يؤمونها كل عام ولكنها لم تستقبل اللاجئين السوريين، ولكننا نحن الذين استقبلناهم».
أعود لموضوعنا اليوم وهو ما نريده نحن من القمة العربية المقبلة، لن نقول إننا نريد من القادة العرب الاتفاق على تحويل منطقتنا العربية والإسلامية إلى قطعة أوروبية أو أمريكية، أو حل جميع أزماتنا الراهنة مع القضية الفلسطينية التي أضحت قضية ثانوية حاليا وتراجع حالها مثل حالنا، ولكننا مع الحد الأدنى من الحلول، فكلنا يعلم أن الأزمات صعبة حقا ولن تنتهي بين عشية وضحاها، ولكننا ما ذنبنا نحن، ننام ونستيقظ على هذه النكبات، بل تزداد وتتفاقم مع كل صباح، فبعد أن كان الفاعل أمريكيا فقط في السابق، تضاعف عدد الفاعلين، حيث انضمت روسيا وإيران وتركيا، والآن تريد إسرائيل الانضمام هي الأخرى إلى جملة الفاعلين في الأزمات العربية بعد أن كانت فاعلا فقط في القضية الفلسطينية.
واعتقد أنه على القادة العرب وهم يهمون بالمشاركة في قمة عمَّان المقبلة مراجعة ما قاله سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا أمام مؤتمر الأمن العالمي في اجتماعه الثالث والخمسين الذي استضافته برلين في منتصف فبراير الفائت، عندما أعرب عن أمله أن يتحمل القادة الغربيون المسؤولية لإنشاء نظام دولي عادل.. وهذا النظام يكون نظاما ما بعد العالم الغربي. وبالمناسبة، كان لافروف وهو يخاطب نظراءه من الدول الغربية في المؤتمر المشار إليه، يقصد بهذا النظام الذي يراه أنه في طور التشكيل حاليا، نظاما يضم روسيا والصين، ليكون هو النظام المهيمن على العالم بعد قرنين تقريبا عاشتهم الكرة الأرضية رهينة للقوى الغربية التي فرضت نفسها على شعوب الأرض بقوة السلاح وسطوة الاستعمار. ما نفهمه ما كلام لافروف، أنه يتحدث عن نظام عالمي جديد تقوده روسيا أو على الأقل تكون الشريك الأكبر فيه، فهي بالإضافة مؤسسة، فهي أيضا ستكون مكونه الرئيسي ومعها الصين.
لم يتحدث لافروف عن العرب نهائيا، فهم بعيدون عن ذهنه على ما اعتقد، وكل ما يراه أنهم خارج اللعبة الجديدة تماما، ومن هنا تكون رسالتنا للقادة العرب ونحن على أعتاب قمة جديدة، أنه يجب أن نوجه رسالة مهمة للغرب وروسيا والعالم أجمع، رسالة تكون بدايتها «نحن هنا»، ونحن الذين سنقود منطقتنا من منطلق مصالحنا المشتركة، فما بيننا كعرب يقوينا ولا يضعفنا، هذا بغض النظر عما نمر به حاليا. رسالتنا نحن العرب للشرق والغرب، هي أننا قوة لا يستهان بها، ويجب أن نظل قوة فاعلة وليست غير ذلك. ولكن تكون رسالتنا حقيقية، أعتقد أن القمة العربية المقبلة ستبعث برسائل مهمة للعالم أجمع، على رأسها أننا مسؤولين عن حل أزماتنا داخل جدراننا فقط وليس في الآستانة أو جنيف، هذا ما يتعلق بسوريا.. وفيما يتعلق باليمن سيكون هناك مبعوثا عربيا تعينه الجامعة العربية بناء على قرارات قمة عمَّان المقبلة، وكذلك العراق وليبيا، رغم أن ثمة مبعوثا عربيا لليبيا ولكن لن تتضح معالم مهمته بعد.
نعلم جميعا أنه عشية انعقاد كل قمة عربية، يتحدث الدبلوماسيون العرب عن أهمية هذه القمة المقبلة نظرا لجسامة وضخامة التحديات التي تواجه الأمة العربية، ويشدد هؤلاء على ضرورة أن تخرج القمة بقرارات مهمة تصب في صالح التضامن العربي نظرا لكثرة التحديات التي تواجهها الأمة، حيث الظروف الاستثنائية والدقيقة التي تمر بها المنطقة، ثم أهمية الخروج بقرارات تخدم قضايا الأمة العربية وتعمل على تفعيل وتعزيز العمل العربي المشترك.
ولعلي أتذكر هنا ما ذكره قادة عرب عشية قمة 2006 حيث كان الوضع في العراق متأزما جدا، وشدد هؤلاء على ضرورة قيام الدول العربية بدعم العملية السياسية ومساندة كل الجهود الرامية إلى إعادة الهدوء والاستقرار إلى العراق للحيلولة دون نجاح المخططات الهادفة إلى زرع الفتنة بين أبناء الشعب العراقي. وتعهد عمرو موسى أمين عام الجامعة آنذاك بعقد مؤتمر في بغداد يجمع القيادات السياسية العراقية كافة بهدف تحقيق التوافق بين جميع فئات الشعب العراقي.. أعتقد لا داعي لسرد الحالة العراقية حاليا بعد مرور نحو 11 عاما من تعهد عمرو موسى.
ولكن إذا كانت هذه هي نظرتنا للقمم العربية الفائتة، فأعتقد حاليا أنها ستتغير بوجود الأمين العام الجديد للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، فهو دبلوماسي قدير يعي مهمته الصعبة، وقد قرأ بدقة شديدة ما تشهده المنطقة والدول العربية من أحداث صنعها أصحاب الأجندات الخاصة بنشر الفوضى والنوايا الشريرة للأمة العربية والإسلامية. كما يعي أبو الغيط أهمية تطوير العمل العربي المشترك من خلال الإرادة المشتركة للتنفيذ والتحرك، وضرورة مواجهة الصعاب مبكرا.. وفي النهاية ليس أمامنا سوى أن نقول: «إن غدا لناظره قريب».

كاتب ومحلل سياسي بحريني

amurshed2030@gmail.com