السياحة.. والقرارات العشوائية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٦/مارس/٢٠١٧ ٢٢:٥٥ م
السياحة.. والقرارات العشوائية

محمد محمود عثمان

تعد السياحة قاطرة التنمية الحديثة ومن المهم تحقيق البيئة السياحية المناسبة، التي تحميها من العوارض والأزمات، التي قد تحدث نتيجة بعض الحوادث سواء الداخلية أم الخارجية، أو بسبب الروتين والبيروقراطية والقرارات العشوائية أو العادات والتقاليد التي تستنكر عادات وتصرفات بعض السائحين والتركيز عليها في مختلف وسائل الإعلام واعتبارها من الثقافة المجتمعية، والتي ترفضها بعض قطاعات المجتمعات العربية المحافظة، ولا شك أن لها تأثيرا سلبيا مباشرا على تدفقات الحركة السياحية، وهذا نشهده واضحا في مصر وبعض دول المنطقة، ومنها الحوادث الإرهابية، وما تفعله داعش في المنطقة، الذي له تأثير أكبر على الحركة السياحية خاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي تحولت إلى مقاصد أخرى، إلى جانب الآثار الاقتصادية السلبية التي تترتب على ذلك، ومنها الشلل الذي يصيب القطاع السياحي، وما يترتب على ذلك من هروب الاستثمارات السياحية أو تعثرها، وما يترتب على ذلك من هجرة الكفاءات والكوادر المؤهلة في هذا المجال، والتي استغرقت سنوات عديدة حتى اكتسبت خبراتها، وربما نحتاج إلى فترات طويلة حتى يمكن أن نعوضها حتى تعود السياحة إلى معدلاتها الطبيعية أو قريبا منها.
وهناك أمثلة واقعية على عشوائية القرارات تظهر أمامنا بوضوح في مصر، منها عدم توحيد الإجراءات وسلاستها وعدم انضباط الأسعار والتفرقة بين السائح الأجنبي والمحلي في الرسوم وأسعار الدخول للمناطق السياحية والأثرية، وأسعار الفنادق وأسعار العلاج في المراكز الطبية أو في العيادات الخاصة، حيث تترك هذه الأمور وفقا لأهواء البعض واستغلالهم وابتزازهم للسائح الأجنبي بدون ضوابط، بالإضافة إلى الفهم أو التقديرات الخطأ، ومنها الإعلان عن زيادة أسعار تذاكر المواقع الأثرية للأجانب اعتبارا من أكتوبر المقبل، بدعوى زيادة الدخل أو الإيرادات، في وقت تعاني فيه الحركة السياحية من الكساد، ونحتاج فيه إلى التنشيط والتطوير والجذب، في الوقت الذي تتطلع فيه مصر أن يشهد العام 2017 مضاعفة في الأعداد الوافدة من الأسواق الأجنبية، بما يعني انعدام الرؤية السياحية الواعية، لأنه بالمفهوم الاقتصادي فإن أي زيادات -وإن كانت بسيطة- حتى ولو كان الغرض منها تحسين الخدمات، تجعل من المقاصد السياحية مناطق طرد لا جذب، ومن ثم تخرج من بؤرة اهتمام السائحين الذين يفضلون دائما الأسعار الأرخص والخدمات الأفضل، في سوق سياحي آمن ومنضبط، به معايير واضحة وثابتة وراسخة في ذات الوقت، لأن ذلك يعكس حالة الأمن والاستقرار، التي لها تأثيرات قوية ومباشرة على الأنشطة السياحية وعلى الاستثمار السياحي، كم أنه من العبث اتخاذ قرارات بزيادة رسوم تأشيرة دخول السائحين إلى مصر، في الوقت الذي تم فيه تعويم قيمة الجنيه المصري، مما يحرم السائح من الاستفادة من هذا الإجراء، الذي من إيجابياته المفترضة جذب تدفقات أكثر للحركة السياحة إلى مصر، مما زاد من المخاوف التي قد تصيب البعض جراء صعوبة استعادة الحركة السياحية المتوقعة لمصر بعد الإعلان عن الاتجاه بزيادة رسوم التأشيرات، على الرغم من المشاكل وحالة الانحسار السياحي التي شهدتها مصر، بعد توقف حركة الطيران من أسواق عدة مصدرة للسياحة.
وقد أحسن وزير السياحة المصري صنعا عندما أعلن بأنه لن يتم اتخاذ أي قرارات قد تؤثر سلبا على القطاع السياحي، وأن الزيادة المفترض تطبيقها تم تأجيلها، وأنه لا توجد مشاكل غير قابلة للحل، وهناك فرص، وينبغي أن نستفيد من هذه الفرص لدعم الاقتصاد، وإذا كنا نتحدث عن تنشيط السياحة العلاجية فإنه من المؤسف عدم قدرة وزارة الصحة أو نقابة الأطباء وعجزهما عن تقنين أجور العلاج والعمليات الجراحية والفحوصات الطبية لتكون الأسعار موحدة لكل مريض سواء الأجنبي أو غير الأجنبي، مع وجود منظومة رقابة ومتابعة إدارية وفنية لضمان الالتزام والجودة ومنع استغلال الأجانب، ووضع قاعدة بيانات طبية للأطباء وتخصصاتهم وأنواع العلاجات المتاحة والتكلفة المقدرة، وذلك حتى يمكن أن نحمي السياحة من القرارات العشوائية، والتصرفات الاستفزازية، التي تهدم القطاع السياحي، وهو من القطاعات الحساسة التي تتأثر بشدة من تخبط القرارات والسياسات غير الواضحة والمحددة التي يمكن أن تساعد متخذ القرار في الأسواق المصدرة للسياحة.

*mohmeedosman@yahoo.com