الفحص الصحي الإجباري

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢١/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٥٠ ص

علي بن راشد المطاعني
ali.matani@hotmail.com

فاتورة الصحة في البلاد ترتفع عاما بعد آخر، وتصل إلى ما يربو على 800 مليون ريال عُماني، ويقع عبئها على كل الجهات الاعتبارية كوزارة الصحة، والدفاع والشرطة، ومستشفى جامعة السلطان قابوس وديوان البلاط السلطاني وغيرها من الجهات المدنية والعسكرية‏، نتيجة لأمور عدة منها انخفاض الوعي الصحي، وعدم اتباع مبدأ «الوقاية خير من العلاج» وانتظار المرض حتى يتمكن منا ومن أجسادنا.

وللأسف لا يزال الوعي بأهمية الفحص الدوري غائبا عن أذهاننا وأجندتنا المتخمة بالمواعيد والالتزامات، ومازال الصرف على التأمين الصحي بالنســبة للفرد في السلطنة يعد الأقل على الإطلاق مقارنة بالمصروفات الأخرى رغم أهمية ذلك لنا، كل ذلك يرفع فاتورة العلاج المترتبة على الدولة والتي سوف تزداد بشكل مطرد في السنوات المقبلة.
ومن هذا المنطلق يجب أن نطبق المبدأ الذهبي القديم الجديد القائل إن «الوقاية خير من العلاج»، وهذا المبدأ لا يتأتى تطبيقه إلا من خلال الفحص الإلزامي لكل المواطنين لاكتشاف حالات المرض في مراحلها الأولى أو في مراحلها المبكرة وعلاجها أو الوقاية منها بدلا من أن نتركها تتراكم إلى مستويات يصعب معها السيطرة عليها أو حتى الحد منها لاسيما وأن هناك أمراضا معروفة لنا تماما يمكن علاجها ببساطة ويسر إذا كانت في مراحلها الأولى، والعكس صحيح هنا تماما، ومن هذا المنطلق نأمل أن تفكر وزارة الصحة الموقرة في هذا الجانب وتبدأ في تطبيقه بشكل ملزم لكل المواطنين الذين تزيد أعمارهم عن الثلاثين عاما على أقل تقدير.
«الوقاية خير من العلاج» ليس شعارا بقدر ما هو نظام طبي متكامل ومعروف في كل دول العالم التي تعي ذلك المعنى جيدا، وتطبقه بحذافيره من خلال التزامات وطنية ملزمة تجاه التعاطي مع الجوانب الصحية التي لا يمكن تأجيلها أو إهمالها بالأصح، إذ هي معنية بصحة الإنسان، رأس المال الأعلى والأغلى، فضلا عن التزامها الصارم ببرامج توعية صحية مدروسة تتحدث عن الأنماط الغذائية والصحية الممارسة يوميا والتي تؤثر سلبا أو إيجابا وبشكل كبير على صحتنا، ومن هنا نجد أن متوسط الأعمار ‏في دول العالم المتقدمة مرتفعة مقارنة بدولنا العربية والنامية بشكل عام لعدم اتباع الإرشادات وعدم وجود أنظمة صحية تحمّل الفرد مسؤولية الحفاظ على أغلى ما يملكه، ولكل ذلك فإن دولنا تدفع فاتورة باهظة كان من الممكن خفضها بمعدلات جد كبيرة لو اتبعنا هذا النهج الصحي الأولي.
اليوم نجد المستشفيات مكتظة بمرضى يعانون من أمراض مزمنة مثل القلب والسكر والضغط ‏والسرطانات بأنواعها، وكل هذه الأمراض أغلبها ناتج عن الأنماط الغذائية والحياتية غير السليمة، وعدم اعتماد الفحص المبكر والهادف لاكتشاف واستباق المرض قبل أن يستفحل ويقتل، وللأسف فإن الوعي الصحي بالفحوصات الدورية يكاد يكون معدوما تماما، وبالتالي يتعين فرضه فرضا إذ المصلحة العليا للوطن تقتضي اتخاذ هذا الإجراء، فالمواطن الذي يعتمر تاج الصحة والعافية ويمشي به بين الناس سعيدا، هو بالقطع الأقدر على تقديم كل جهده وكل عرقه لدفع عجلة الإنتاج ليسعد به الوطن في نهاية المطاف.
وعندما تتأزم الحالة المرضية نتيجة لعدم إعمال مبدأ الفحص المبكر فما من شك أن فاتورة العلاج ستغدو مرتفعة مقارنة مع حالة مرضية تم اكتشافها مبكرا وعلاجها بتكلفة أقل، وعلى ذلك فإننا لو أفلحنا في الالتزام بهذا الخط الإيجابي سنجد أنفسنا وقد مزقنا تلكم الفواتير الباهظة التي ترهق الدولة والمواطن في آن معا، وحتى يأخذ الأمر منحا جديا علينا ربط بعض الخدمات بالفحص الدوري كتجديد البطاقات الشخصية أو إنجاز المعاملات، عندها سنجد ومع مرور الوقت أن منظومة الكشف الدوري قد انتظمت حلقاتها.
إن المراكز الطبية أو ما يسمى المراكز الصحية الأولية لديها الإمكانيات التي يمكن أن تربط المواطن بها من خلال الفحص الدوري، ويمكنها أن تعد تقاريرها الطبية المدعمة بالفحوصات الطبية والتي توضح ما يعانيه المواطن من مشـــروعات الأمراض الناشــئة والتي سيسهل السيطرة عليها كما أشرنا في تلك المرحلة المبكرة، وهي مؤهلة للعب هذا الدور الحيوي بحكم انتشارها الكبير في كل بقاع وولايات السلطنة.
نأمل من وزارة الصحة أن تكمل معروفها وتصدر قرارا جريئا بتطبيق هذا الإجراء على الفور، بعدها سننتظر العائد المتوخى منه وهو إيجاد مجتمع منتج وخال من الأمراض التي طالما أقعدت الكثيرين عن الإسهام في دفع عجلة التنمية قدما إلى الأمام.