طباخ ناجح ولا مهندس فاشل ..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٩/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
طباخ ناجح ولا مهندس فاشل ..

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

أحد أهم وأكبر الأخطاء التي ارتكبت في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي هي احتقار العمل اليدوي، وتبجيل العمل المكتبي. وتسهيل الدراسة الجامعية - بغض النظر عن مستوى التحصيل الدراسي - ودفع الشباب والشابات لها بغض النظر عن ميولهم أو استعداداتهم الشخصية. وكانت النتيجة أجيالا من العاطلين عن العمل، أو المنخرطين في غير تخصصاتهم، أو تلك الفئة التي تعايشونها وتعرفونها جيداً؛ فئة البطالة المقنعة، التي تشغل مواقع لا طاقة ولا رغبة لها بها. ولا تضــــيف شيئا للعمل ولا يضيف لها العمل – نفسه – إلا رصيداً في البـــنك. تلك الفئة التي تشعر بانعدام القيــــمة؛ وتجـــعلك تدفع – أنــــت وغيرك – ثمن هذا الإحـــباط الـــذي لا يبارحها حتى تتقاعد.

الأصل في العمل، أن يُورث المرء السعادة لا أن يوفر له نقداً للحياة فحسب، فالعمل المثالي لك هو ما يجعلك تتطلع للعودة لموقع العمل كل صباح. وهو العمل الذي تبدع فيه وتمر الساعات به دون أن تشعر بها. أعرف رجلاً في منتصف العمر اتخذ قرارا فاجأ الجميع؛ فبعد أن كان شخصية مرموقة في القطاع المصرفي، يتقاضى راتبا كامل الدسم، قرر أن يترك العمل ليعمل “كطاه” في مطعم!

أنكر عليه الجميع ذلك، وصنفوا ما فيه على أنه أزمة منتصف العمر وأولهم زوجته، لكنه فاجأ الجميع بمهارته وموهبته، وسرعان ما فتح مطعمه الخاص الذي يستقبل فيه – بفخر – المديرين والتجار الذين يعرفهم بمئزر المطبخ وقبعة الطاهي البيضاء.. لقد وجد هذا الرجل سعادته وراحته في هذه المهنة، ويردد من يعرفونه أنهم لم يروه يوما بهذا المزاج الرائق والابتسامة والحماس وكأنه صغر 10 سنوات..
ماديا؛ الميكانيكي الماهر اليوم يفوق دخله الشهري دخل المعلم. والسباك والنجار بل ومن يصلح المكيفات.. لذا تطبق بعض الدول الأوروبية اليوم في المدارس امتحانا يتيح لأولياء الأمور تحديد الوجهة المثالية للتلامذة في المستقبل. يوصي بإدخال بعضهم لتخصصات جامعية معينة فيما يوصي بتقديم تدريب مهني فقط للبعض الآخر ولا علاقة لهذا الأمر بالنبوغ أو بالقدرات العقلية بقدر ما هو مرتبط بالمواهب والقدرات..
أقول هذا بعد أن شكت لي صديقتي الطبيبة من أن ابنتها لا تحب إلا تصميم الأزياء والماكياج. وتريد منها أن تبعثها لدراسة هذه التخصصات في كلية بفرنسا. وهو ما أثار حفيظة والدتها التي تصرفت وكأنها نهاية العالم.. فأخـــــبرتها بما أخبركم به الآن؛ ليتبع كل فرد منا رغبته وميوله. وقـــــد يكون الحداد الناجح أهم من المهندس الــفاشل. ثم إن الــــبلاد ليست بحاجة لمزيد من الخريجين العاطلين، ولا الموظــــفين الفاشـــلين. هي بحاجة لمن يتقنون عملهم ويجيدونه؛ أيا كان مجالهم.