فرصة إصلاح أوروبا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٩/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٠٢ ص

هيرمان فان رومبوي
وجانيس أ. إيمانويليديس
فابيان زوليج

أصبحت أزمة منطقة اليورو الآن أقل خطورة مما كانت عليه إبان ذروة هذه الأزمة في سنوات 2010- 2013، فقد ارتفعت معدلات النمو في أرجاء الاتحاد الأوروبي، وتوفرت خمسة ملايين فرصة عمل طوال سنوات 2014- 2017.

بيد أن الاتحاد المصرفي الأوروبي ظل غير مكتمل الكفاءة، إذ يواجه القطاع المصرفي باليونان وإيطاليا تحديات من ناحية، وقد تفضي توابع أزمة اليورو من ناحية أخرى إلى تقويض استقرار الاتحاد الأوروبي أو حتى تهديد العملة المشتركة.

وباستثناء أسوأ السيناريوهات والمتمثلة في انتصار الشعبويين في الانتخابات الفرنسية في مايو والانتخابات الألمانية في سبتمبر من هذا العام، على قادة أوروبا اغتنام الفرصة لاحقاً لتبنّي إصلاحات أكثر طموحاً، لكن برجماتية الطابع.
وكخطوة أولى على هذا الطريق، على صانعي السياسات الاعتراف بأنهم ما زالوا يفتقرون إلى أدوات فعّالة للتنسيق السياسي. وبرغم أن الدورة الأوروبية لتنسيق السياسات الاقتصادية والمالية أنشأت إطاراً واسعاً للتنسيق، فقد أخفقت في التوصل لتحسين فعّال للقدرات التنافسية أو النمو أو توفير فرص العمل في أرجاء الاتحاد الأوروبي. وظل الاستثمار في الوقت نفسه منخفضاً للغاية في جميع أنحاء منطقة اليورو، وبشكل خاص في البلدان التي تحتاج إلى بذل أكبر جهود لتحقيق التعافي. وربما تكون «خطة يونكر» للاستثمار في مجال البنية التحتية على نطاق الاتحاد الأوروبي جزءاً من الحل، بيد أنها ليست الحل كله.
لا شك أن هذه المعضلات الاقتصادية تتطلب حلولاً ترقي للمستوى الوطني، بيد أنها معضلات ترسخت بسبب الإخفاقات الشائعة فيما يتعلق بتقرير السياسات. وعلى سبيل المثال، فقد جرى تنفيذ الإصلاحات التي أقرّتها منطقة اليورو ببطء شديد، فضلاً عن غياب خطة لإصلاحات هيكلية إضافية.
وهناك أيضاً خلافات سياسية كبيرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي؛ لأن بعضها لا تثق في وفاء الدول الأخرى بالتزاماتها. ويرى معسكر، تقوده ألمانيا وهولندا، أن الحكومات الوطنية ملزمة، أولاً وقبل أي شيء، بتنفيذ الإصلاحات المتفق عليها واحترام القواعد التي أُقرّت جماعياً. وعلى العكس من ذلك، ترى فرنسا وبلدان جنوب أوروبا أن التعامل مع الحكومات الوطنية يجب أن يتسم بمرونة أكبر لتمكينها من اتخاذ قرارات بشأن الإصلاحات المالية والهيكلية، وأن على الحكومات ذات القدرات المالية الأكبر المساعدة على معالجة الاختلالات الحالية بزيادة نفقاتها العامة.
ولأن الحكومات الوطنية تخضع للمساءلة السياسية من جانب مواطنيها، لذا فهي عادة ما تفتقر إلى الحافز لتعميق تعاونها على مستوى الاتحاد الأوروبي. وانقطاع التواصل على هذا النحو يعرقل الآن إجراء مزيد من الإصلاحات على مستوى الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي. وتعتزم المفوضية الأوروبية بدورها، إعمالاً لما جاء في التقرير الرسمي بشأن مستقبل أوروبا، تقديم اقتراحات إضافية لإصلاح الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي في النصف الأول من العام 2017، ويحدونا الأمل في أن يتضمن هذا جدول أعمال طموحاً. ومن الواضح أن منطقة اليورو ستكون بحاجة أيضاً إلى تنسيق أفضل بكثير من مستوى التنسيق القائم لضمان استدامتها على المدى البعيد.
وللتقدم صوب تحقيق هذه الغاية، على القادة الأوروبيين اتخاذ الخطوة الأولى البرجماتية لإعادة بناء الثقة اللازمة للتوصل في المستقبل لمزيد من الابتكارات الجوهرية في مجال السياسات. ويجب أن تأتي المبادرة من فرنسا وألمانيا؛ باعتبارهما الدولتين الأكبر اقتصاداً في الاتحاد النقدي الأوروبي، وأن تضم أيضاً البلدان الأخرى بمنطقة اليورو. وبعد الانتخابات التي ستجري هذا العام في كل من فرنسا وألمانيا، على البلدين تقديم اقتراح مشترك يعكس الاهتمام بالمسؤولية الجماعية والمرونة من الأطراف كافة والتضامن بين دول الاتحاد الأوربي.
وبداية، على الاقتراح الفرنسي الألماني السماح بقدر أكبر من المرونة المالية، لكن في إطار صارم. وعلى الاتحاد النقدي الأوروبي امتلاك «قاعدة ذهبية» بشأن الاستثمار العام والاجتماعي، مع تعريف واضح لتلك المشاريع وآلية لتقييم صلاحياتها. وفي مقابل المرونة الأكبر فيما يتعلق بالإنفاق العام والاجتماعي، يجب تطبيق القواعد المالية بصرامة أكبر على جميع أشكال الإنفاق الأخرى، بما في ذلك استخدام سلاح العقوبات عند الضرورة.
وثانياً، على الاقتراح الفرنسي الألماني الدعوة إلى إبرام اتفاقيات الإصلاح التعاقدي والاستثمار بين الدول الأعضاء والمجلس الأوروبي تعتمدها البرلمانات الوطنية وتقوم على أساس توصيات خاصة بكل بلد ومُتفَقُ عليها باعتبارها جزءاً من توصيات الدورة الأوروبية لتنسيق السياسات الاقتصادية والمالية. وعلى هذه المبادرة التسليم بأن تعزيز النمو يتطلب الاستثمار، على أن يكون هذا التمويل مشروطاً باتخاذ الحكومات الوطنية لإجراءات واضحة. وقد تفضي اتفاقيات الإصلاح التعاقدي والاستثمار إلى ترسيخ الانضباط فضلاً عن التضامن، وذلك عبر التركيز على الإصلاحات التي تدر عائدات نمو مرتفعة والتي من شأنها أن تعود بالنفع على بلدان منطقة اليورو كافة.
وأخيراً، ستكون هناك حاجة للقدرة المالية لدعم اتفاقيات الإصلاح التعاقدي والاستثمار مع بلدان منطقة اليورو التي تفتقر إلى الميزانية اللازمة لتحفيز النمو اعتماداً على نفسها. ويمكن لآلية الاستقرار الأوروبي توفير هذا الأموال، بدءاً بتخصيص مبالغ محدودة ومن ثم توسيع النطاق إذا نجحت المبادرة.
ومن شأن حزمة الإصلاحات الفرنسية الألمانية التي تتضمن هذه الاقتراحات أن تعمل على تطوير التقارب والترابط الاقتصادي والسياسي بين بلدان منطقة اليورو. وفي ظِل اتحاد اقتصادي ونقدي أقوى، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يبقى مفتوحاً، ويضفي مع ذلك مزيداً من الحماية على مواطنيه. فضلاً عن أن هذه الخطة تفسح المجال لسلطة أكبر للحكومات الوطنية في مجال اتخاذ القرار على المستوى الوطني في حين تشجع التعاون بين بلدان منطقة اليورو وتبني على تدابير الحوكمة القائمة.
وستشكل هذه الخطة خطوة أولى حقيقية صوب إصلاحات جوهرية لاحقة. بيد أن هذا يعتمد على التوصل لنتائج انتخابات مواتية ومؤيدة لأوروبا في كل من فرنسا وألمانيا، ويعتمد أيضاً على استعداد القادة الأوروبيين للتوصل لحلول وسط وقبولهم الخوض في مخاطر محسوبة قصيرة المدى.
ويتطلب دعم مشروع التكامل الأوروبي صفقة سياسية شاملة. غير أنه على القادة الأوروبيين ألا يفوتوا فرصتهم المقبلة للبدء في إعادة التكامل إلى مساره الصحيح، وإلا فإن نقاط الضعف الحالية في منطقة اليورو ستقوض استدامة الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي نفسه عبر توليد تكاليف لا يمكن السيطرة عليها تتكبدها بلدان الاتحاد الأوروبي كافة.

هيرمان فان رومبوي: رئيس وزراء بلجيكا الأسبق

جانيس أ. إيمانويليديس: مدير الدراسات في مركز السياسة الأوروبية
فابيان زوليج: مسؤول تنفيذي في مركز السياسة الأوروبية