أراض زراعية مع وقف التنفيذ

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٦/أبريل/٢٠١٧ ٠٥:١٣ ص
أراض زراعية مع وقف التنفيذ

علي بن راشد المطاعني

هل تصورتم في يوم من الأيام أن تكون هناك أرض زراعية لكنها «بدون ماء»؟!

هناك مئات القصص عن مزارع لكنها بدون ماء أو آبار، وأصبح وضعها معلقاً بين الأرض والسماء.
إليكم هذه التراجيديا كما يحكيها قارئ: قصة هذه الأرض تتمثل في ورثة آلت إليهم كأرض زراعية بعد وفاة والدهم عام 1979، فتم تمليك الأرض لهم من قبل وزارة الإسكان والكهرباء والمياه، وتم إصدار الملكية لهم بتاريخ 12/‏7/‏2003.
إلا أن وزارة الإسكان الموقرة دمغت تلك الملكية بعبارة جعلت الأرض قاحلة ولا يمكن الاستفادة منها أبدا وهي «لا يسمح بحفر بئر أو تعميقها أو صيانتها أو استبدالها إلا بموافقة وزارة البلديات الإقليمية والبيئة وموارد المياه».
وبالفعل تقدموا بطلب رسمي لحفر البئر، إلا أن رد الوزارة المختصة آنذاك جاء صادما: يؤسفنا إخطاركم بأن طلبكم تم الاعتذار عن تلبيته للأسباب التالية: عدم وجود بئر قائمة والملاحظ هنا التناقض الصارخ بين مختلف الجهات الخدمية، ولفهم أعمق، فإننا نجد جهة تملك أرض زراعية، وأخرى تنفي وجود ما يمكن أن يمت للزراعة بصلة وهو الماء المتمثل في البئر ومنذ تلك الفترة المقدرة بـ13 سنة والأرض جرداء قاحلة، ولم يستطع الورثة استغلالها، على الرغم من وجود مزارع ممتدة بقربها.
بعد العامين المنصرمين قام الورثة بتجديد طلبهم لعل وعسى، وطرقوا أبوابا شتى، ثم اتجهوا للحاضنة الأم وزارة الزراعة والثروة السمكية وتم نصحهم بتغيير استخدامها إلى سكني تجاري، لكنّ الطلب مكث حوالي 7 أشهر بين أروقة الوزارة إلى أن تمت زيارة الأرض وكتابة تقرير عنها من قبل المختصين في الوزارة.
بعدها أصدرت لجنة تغيير استخدام الأراضي الزراعية قرارها رقم 45 بتاريخ 26/‏10/‏2016، بالرفض القاطع، حيث جاء ردها «لا يسمح بتغيير استخدام الأرض الزراعية بناء لمنطوق المادة (8) من لائحة تنظيم استخدام الأراضي الزراعية الصادرة بالقرار الوزاري رقم (272/‏ 2014)، وبهذا دخل الورثة في فصل آخر من فصول قصة أرضهم، فمن خلال قراءتنا للمادة المشار إليها فهي تشير في البند (ج) إلى إنه يمكن تغيير استخدام الأرض الزراعية كليا «إذا كانت خارج نطاقات المستجمعات المائية بتأكيد من الجهة المعنية، ولا تجاورها أراضٍ زراعية قائمة، ولا يوجد بها مصدر للري» وهذه إحدى الحالات التي تجيز تغيير استخدام الأرض كليا، وبذلك فإن الأرض المذكورة لا يوجد بها مصدر للري وهذا ما تثبته الملكية والمستندات المرفقة، أضف إلى ذلك ما ورد في البند (أ) من نفس المادة نصا: «ولا توجد بها مقومات زراعية» وتأكيدا على ذلك فإن الأرض قاحلة ولا يوجد فيها ما يدل على أنها زراعية.
كان الأمل موجودا وذلك أثناء تواصل الورثة مع المسؤولين في الوزارة، حيث أشاروا لإمكانية تغيير استخدام الأرض المذكورة من زراعية إلى سكنية تجارية، فهنالك جملة من الأسباب القاهرة والقوية تجعل الورثة يطالبون بتغيير استخدام الأرض وهي عدم وجود مصدر للمياه، فقد دمغت وزارة الإسكان الموقرة ملكية الأرض بعبارة (لا يسمح بحفر أو تعميق البئر).
وبالرجوع إلى سبب الرفض، حسب ما قاله المختصون في اللجنة، بأن المياه في المنطقة المحيطة بالأرض مياه عذبة، ولا توجد بها ملوحة، فكيف يكون هذا سببا مع العلم بأن الأرض الزراعية لا يوجد بها مصدر للمياه؟
كما سمحت الوزارة الموقرة لعدد من المزارع المجاورة بتغيير استخدامها جزئيا وكليا مع وجود مصدر للمياه، فكيف لأرضٍ زراعيةٍ لا يوجد فيها مصدر للمياه؟.. وهذا يُعطي مؤشرًا إيجابيًا من أجل تغيير استخدام تلك الأرض بحكم الموافقات التي أُعطيت للمزارع المجاورة لها، ومن ثم يمكنهم استثمارها.
لم يخلق الله الإنسان عبثا وإنما خلقه ليكون خليفته في الأرض، فهل فكّرت اللجنة بقرار عدم الموافقة في إيجاد حل آخر من أجل استثمار هذه الأرض التي فارقت الحياة سريريا؟
وتستمر القصة: فبعد ذلك أشار المسؤولون في وزارة الزراعة والثروة السمكية بتقديم تظلم إلى اللجنة العليا وتم رفع التظلم بتاريخ 15/‏9/‏2016 وحتى اللحظة لم يأت رد اللجنة وفي كل رحلات الورثة للوزارة يخبرونهم بأن قائمة التظلمات لا تزال طويلة.
ربما الحل النهائي في أن يقوم الورثة بتقديمها كهدية تقسّم بين تلك الجهات، حتى لا يشاهدوا أملاكهم بعيدا عن متناول أيديهم، ثم نسأل ألا يوجد مسؤول حكيم يفصل في هذه الأرض التي أكل عليها الدهر وشرب؟
يأمل ملاك الأرض «الورثة» أن توضح لهم الوزارات المعنية، لماذا هذا التعقيد في استثمار الأرض زراعيا؟ فقط عبر حفر بئر، وإذا لم يتح لهم ذلك لماذا يتم تعقيدهم كذلك لتغيير استخدامها مثل بقية كل البشر.. أو هل يوجد حل آخر يكون في متناول الورثة؟
هذه قصة صغيرة تتشابه مع مئات القصص من الأراضي الزراعية التي مازال وضعها مجمدا ومصيرها مجهولا.