متى يصبح القضاء الواقف عمانياً؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٣٠/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
متى يصبح القضاء الواقف عمانياً؟

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي تشجع فيه الحكومة المحامين العُمانيين على فتح مكاتب محاماة خاصة بهم لممارسة العمل في هذا المجال المهم، وتعد فيه تصنيفا للمحامين وفقا لخبراتهم ولتمكينهم من العمل القضائي في مراحله المختلفة، ولتوفير الحماية اللازمة لهم من المنافسة من نظرائهم، إلا إنه وللأسف فإن المحامين لا يولون كل هذه الجهود الاهتمام الذي تستحقه، على الرغم من العائد المادي الكبير الذي تحققه هذه المهنة مقارنة بغيرها من المهن والأنشطة التجارية.

ذلك أمر يثير الاستغراب لهذا التعاطي الذي لا يتماشى مع جهود الدولة الهادفة لتوطين مهنة المحاماة ما يفرض على إخواننا المحامين الالتفات إلى هذه المهنة التي تسعى الجهات المختصة لتعمينها سنة بعد أخرى وفي إطار جهود متواصلة لا تتوقف، إلا أن هذه الجهود لا يمكن أن تحقق مفعولها، إلا بمسؤولية الطرف الآخر الذي عليه أن يضطلع بهذه المهنة وأخلاقياتها.
إن أعداد المحامين العمانيين في تزايد مطرد إذ يبلغ الآن 1067 من أصل 1476 محاميا مسجلا بدائرة المحامين بوزارة العدل، وعدد مكاتب المحاماة يبلغ 386 مكتبا و54 شركة محاماة، إلا إننا وعندما ندقق في من يعمل في هذه المكاتب بشكل حقيقي نجدهم محامين غير عمانيين، ويبقى دور المحامي العُماني كصاحب نشاط فقط، فالقليل منهم من يزاول المهنة بشكل حقيقي، بل إننا نجد بعض المسجلين يعمل في المكتب الخاص به كموظف لا أكثر ويترافع في الدوائر الابتدائية، أو يعمل في مكتبه بالنسبة!
فهذا التسيب في الواقع أفرز ممارسات خاطئة تؤثر على سمعة المحاماة كمهنة التي دخلت فيها التجارة المستترة وغلبت عليها الماديات أكثر من الأخلاقيات الواجبة، حيث يلجأ البعض إلى التسويف والمماطلة في الدعاوى ليطيل عمدا وبدون وجه حق من أمد التقاضي لتحقيق مآرب خاصة به، وفي ثنايا ذلك تضيع حقوق الناس وتتراكم القضايا في ساحات القضاء، فضلا عن امتناع البعض منهم عن إسداء النصح والنأي عن أي محاولة للتوفيق بين المتخاصمين لذات الأسباب المذكورة، بل قيام البعض الآخر بتحويل مكاتب المحاماة إلى مكاتب لتخليص المعاملات.. إلى غير ذلك من أخطاء أصبحت تدنس ثوب المحاماة.
وما يحدث حاليا هو تسجيل الراغبين في الانخراط في مهنة المحاماة فقط كتدريب لمدة عامين في مكتب محاماة، ويقضي هاتين السنتين كالنزاهة إلى أن يحصل على الرخصة، بعدها يمنحها لغيره ليعمل بها مقابل مبلغ زهيد، في حين يجب أن يتم تدريب المحامين أو الملتحقين بالمحاماة ما لا يقل عن 3 سنوات تتخللها اختبارات تحريرية وشفهية يشرف عليها كبار المحامين والقضاة أصحاب الخبرة بمعهد للقضاء مع من يتخرجون من وكلاء الادعاء العام والقضاة، فهذه المهنة لا تقل عن مهنة القضاء لذلك يجب أن تولى الأهمية التي تستحقها في سبيل النهوض بها بوضع بعض الاشتراطات التي تمكن الممتهنين وتقلل التجاوزات فيها.
هنا لا نغفل الدور الذي يجب أن تضطلع به جمعية المحامين العمانية في تعزيز المهنية روحا ومعنى لدى قطاع واسع من المنضوين تحت لوائها عبر التوعية بواجبات المهنة وأهمية الارتقاء بها من خلال تعزيز المهنية في العمل والتأكيد على الحفاظ باستماتة على أخلاقياتها الرفيعة.
بالطبع هناك نماذج من الشباب العُماني له مكتبه الخاص وقائم على رأس عمله، ويكن الاحترام الواجب للمهنة التي أحبها بدءا ثم درسها وثابر على التفوق فيها باعتبارها مهنة مقدسة وفق كل المقاييس إذ هي تعمل على إرساء دعائم العدل الذي أمر به الله عز وجل في كتابة الكريم. فهؤلاء هم الذي شرفوا المهنة وتشرفت المهنة بهم، فهم لا يسعون ركضا من أجل الكسب المادي بأي وسيلة كانت، بل هدفهم الأساس هو إنصاف المظلومين وهم يكابدون من أجل إعادة حق مضيع، أو رفع ظلم فادح وقع على بريء.
نأمل أن يتشرف المحامي العُماني بشرف المهنة ‏وأخلاقياتها، وأن يمتهن هذه المهنة العظيمة بكل التجرد ونكران الذات، ففي ذلك دعم لا يستهان به لمنظومة القضاء في البلاد إذ لا يعقل أن تترك قضايا الناس وحقوقهم تضيع بين أيدي الذين لم يعطوا المهنة حق قدرها من التوقير، إذ عليهم أن يكونوا أبدا في مستوى المسؤولية المهنية وبنحو يشرفنا جميعا ويجعلنا نفاخر بهم وبإنجازاتهم في باحات العدالة كلها وحتى المحكمة العليا.