مدنيوها النازحون والمحاصرون تنتظرهم مرحلة أخرى من الألم تحرير الموصل.. هل ينهي المعاناة؟

الحدث الأربعاء ١٧/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص
مدنيوها النازحون والمحاصرون تنتظرهم مرحلة أخرى من الألم
تحرير الموصل.. هل ينهي المعاناة؟

مسقط – محمد البيباني

معاناة طويلة تكبّد مرارتها مدنيو الموصل سواءً مَن نجح في الفرار من ويلات الحرب ومخاطرها أو مَن بقى رهينة لتطوراتها.

في يناير الفائت تمكّن الجيش العراقي من استعادة الشطر الشرقي من المدينة، وبدأ الهجوم على الشطر الغربي من المدينة في الشهر التالي، ويبدو أن استعادته هو الآخر باتت قريبة.
منذ أيام قليلة فائتة رجّح رئيس أركان الجيش العراقي الفريق ركن عثمان الغانمي، استعادة السيطرة على ما تبقّى من مدينة الموصل قبل بدء شهر رمضان.
وأشار الغانمي- في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إلى أن مسلحي تنظيم «داعش» أصبحوا محاصرين في مناطق محدودة جداً عقب التقدم الذي أحرزته القوات العراقية على الجبهة الشمالية للمدينة خلال اليومين الفائتين.
في الوقت الذي يترقب فيه المدنيون سواءً النازحون منهم أو المحاصرون، إعلان تحرير كامل المدينة، فإن الواقع يؤكد أن هذا لن يشكل نهاية للمعاناة بقدر ما سيشكل بداية صفحة جديدة ومرحلة جديدة منه.
لماذا لن يكون التحرير نهاية لمعاناة النازحين والمحاصرين في المدينة؟ وما هي أشكال المعاناة التي تنتظرهم في حال صدق الأنباء الواردة من الموصل بقرب تحريرها بالكامل؟

لماذا يرفضون العودة؟

يرفض أغلب النازحين من أهالي نينوى في مخيمات محافظة السليمانية شمال العراق، العودة إلى مناطقهم المحررة بسبب تدمير تلك المناطق جراء المعارك الدائرة والغارات الجوية.
محمد جمال، نازح عراقي من أهالي ناحية بعشيقة، يقيم منذ قرابة ثلاث سنوات في مخيم عربت شرق مدينة السليمانية، يقول في حديثه لموقع «إيلاف»، إنه رغم تحرير ناحيتهم وتدهور أوضاعهم وانعدام الخدمات الضرورية في المخيمات إلا أن عائلته ترفض العودة إلى الناحية بسبب الخوف من انتهاج عمليات انتقامية ضد أهالي تلك المناطق، مؤكداً أن تلك القوات ارتكبت جرائم ضد المدنيين تحت حجج واهية، مذكِّراً بالمشاهد المروّعة لحظة خروجهم من منطقتهم حين هجم مسلحو تنظيم داعش على بعشيقة التي سُويت معظم مبانيها بالأرض نتيجة المعارك الضارية. وتابع قائلاً: إنني لا أريد أن أُخاطر بحياة أبنائي وعائلتي مرة أخرى، لا أرغب بالعودة في الظرف الراهن على أقل تقدير.
واشتكى جمال- والد خمسة أبناء- من حياة النزوح في المخيمات، موضحاً أن حياة المخيمات صعبة للغاية، لاسيما أنها تفتقر إلى المقومات الأساسية. وأضاف أنه بين نقص الدواء والغذاء، يفتقر النازحون في المخيمات إلى المال الكافي لإطعام أطفالهم وشراء مستلزماتهم وحاجاتهم اليومية، ناهيك عن فقدان الرعاية الصحية مع قدوم موسم الحر الشديد، مطالباً الحكومة العراقية بالتسريع في عمليات إعادة الإعمار لمناطقهم المدمّرة بسبب العمليات العسكرية.

دمار البنية التحتية

يضطر الآلاف من أهالي مدينة الموصل للجوء إلى نهر دجلة من أجل الحصول على المياه لاستعمالها في حياتهم اليومية بخاصة المنزلية منها بعد انقطاعها عن أغلب أجزاء المدينة وفي البلدات المجاورة لها.
وتعاني الموصل- ثاني أكبر مدن العراق- من تدهور الخدمات اللازمة لديمومة الحياة بعد عامين ونصف العام على سيطرة داعش عليها.
وتزايدت المعاناة مع استمرار المواجهات بين القوات العراقية ومسلحي التنظيم والتي خلّفت دماراً كبيراً في البنى التحتية الحيوية، ما أثّر على الأوضاع الحياتية للمواطنين.
ويقول المسؤولون في مديرية ماء نينوى إن الأسباب التي أدّت إلى انقطاع الماء عن أحياء في الموصل، تعود إلى توقف مشاريع الضخ لانقطاع التيار الكهربائي وتوقف مولِّدات عمل الطاقة الكهربائية بعد نفاد الوقود المخصص لها.
وأكدوا أن الأوضاع داخل المدينة وفي القرى التابعة لها تنذر بتفاقم أزمة المياه؛ لأن عمل مشاريع ضخ المياه من الصعب الآن تأمينه.
ومنذ بدء هجوم القوات العراقية لاستعادة الجانب الغربي للموصل في فبراير، انقطعت المياه بالكامل عن بعض المناطق بسبب تضرر الشبكة الكهربائية التي كانت تزوِّد محطة التكرير بالكهرباء وتعرّض المولِّد الكهربائي التابع لمحطة التكرير إلى السرقة.

شح المياه

وفي المناطق التي تم تحريرها في غرب الموصل، فرضت القوات الحكومية حظراً على سير العربات المدنية خشية هجمات التنظيم الانتحارية. لذلك، يقوم الجيش بإيصال مياه الشرب للسكان بواسطة صهاريج.
وفي المخيمات التي تستضيف نازحين في محيط الموصل، فإن الحصول على الماء ليس سهلاً أيضاً. ولا تكفي قناني المياه الموزعة حاجات النازحين الذين بلغ عددهم أكثر من 400 ألف. أما الماء الذي يتم استقدامه بالصهاريج، فلا يخضع لأي تكرير. ومع ذلك، لا ينوي البعض العودة إلى حي المأمون في القسم الغربي من الموصل الذي انسحب منه التنظيم الإرهابي؛ لأن “الناس فيه يشربون الماء من آبار ملوثة”. ويروي العديد من العائدين إلى مناطق استعادتها القوات العراقية، المعاناة بسبب نقص المياه.
وأبدت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق ليزي غراندي، خشيتها من أزمة أكبر مع حلول فصل الصيف.
ونقلت الوكالة الفرنسية عن غراندي قولها إن “الناس في حاجة إلى مياه للشرب، وسيكونون بحاجة أكبر في الأسابيع والأشهر المقبلة”، مشيرة إلى أن برنامج الأمم المتحدة للتنمية يبذل كل جهده لإصلاح محطات تكرير المياه لتعود إلى عملها بسرعة.
وكانت الأمم المتحدة قد حذّرت مع بدء العمليات العسكرية في الموصل، من أنّ ما لا يقل عن نصف مليون شخص يواجهون أزمة شح المياه.

المرافق الصحية.. أطلال

في السياق نفسه تعرّضت المستشفيات والمراكز الصحية كافة في شرقي الموصل للدمار بسبب المعارك والأعمال القتالية التي جرت هناك؛ لذلك يُحول المرضى والذين يحتاجون لعمليات جراحية إلى مستشفيات أربيل بإقليم كردستان.
وتفتقر مدينة الموصل حالياً لأدوية الأمراض المزمنة، كما أن المراكز الطبية غير مؤهلة لإجراء العمليات الجراحية.
وتعرّض 80 % من مستشفى السلام للدمار، والذي يُعتبر أكبر المشافي في مدينة الموصل.